« العرج الثقافي.. هو مفهوم سوسيولوجي استحدثه علماء الدراسات الثقافية والاجتماعية لتشخيص حالة المجتمعات التقليدية التي تطمح إلى التنمية وتقف في طريقها عوائق أهمها عدم التوافق بين متطلبات التنمية ومنجزاتها، وبين بعض القيم والمعايير الاجتماعية والعادات المتأصلة والمترسبة أحياناً في قاع اللاوعي والضمير الجمعي، والعرج الثقافي كما ذكره أستاذ علم الأنثربولوجيا الاجتماعية البروفيسور سعد الصويان في مقالته الشهيرة( العرج الثقافي) هو التقدم في الجانب المادي من الثقافة مع تخلف القيم والتقاليد والعادات والممارسات والتنظيمات الإدارية ..مما يمنع من الاستفادة من التقدم المادي وتوظيفه على الوجه الأكمل.
« في نسيجنا الرياضي تتجلى ثقافته العرجاء في كثير من تنظيماته الإدارية والمالية، وفي خططه وسياساته التطويرية، فالعرج الثقافي يظهر عندما تأسس «صندوق خيري» في قالبه الرياضي، وتطلق عليه اسم (صندوق الوفاء)..دون الإيمان بأهمية العمل الإنساني ومنطلقاته السامية واتجاهاته النبيلة.. فيعجز عن مصافحة هموم ومعاناة قدامى اللاعبين المعسرين ومسح أحزانهم.. العرج الثقافي يظهر في مجتمعنا الكروي عندما تزور معظم الأندية الرياضية ومنشآتها العملاقة.. وتقف أمام بوابتها الرئيسة، وترفع بصرك فتلمح عبارة مكتوباً عليها ناد (رياضي -اجتماعي- ثقافي)، بينما داخل نسيجها.. الأنشطة الثقافية والاجتماعية مجمدة في قوالب السكون والركون، دون الاعتراف بأهميتها المعيارية، والإيمان بدورها المثمر في خدمة المجتمع.. فلا نسمع أو نشاهد إقامة برامج علمية، أو فعاليات اجتماعية، أو أنشطة ثقافية، أو تنظيم ورش عمل في سياقها السلوكي والقيمي والمهني.. تبني العقول السليمة، وتنمي ثقافة الوعي، وترتقي بالبناء الرياضي الرشيد.. العرج الثقافي في منظومتنا الرياضية يظهر بأقبح صورة عندما تتسع دائرة التجاوزات الإعلامية، والممارسات الفجة، والصراعات السخيفة، والانقسامات الخطيرة التي تناهض قيم المجتمع ومعاييره الأصيلة، وتؤثر على وعي وسلوكيات وثقافة المجتمع بشكل عام.. يقودها رموز التعصب، ورواد الفكرالإقصائي، وكبار المهرجين الذين يقدمون أنفسهم على أنهم محللون ونقاد وخبراء مهنيون عبر (قنوات) ابحثوا عن الأطول لساناً، والأكثر صراخاً، مستغلين غياب حارس البوابة الإعلامية..!! ينشرون بخوائهم الفكري وإفلاسهم المهني أذوقاً ملوثة، وعادات شاذة، وقيماً خاطئة.. دون أن تتحرك جهة رقابية، أو هيئة مؤسسية ضابطة ورادعة وصارمة.. تحد من هذا الانفلات الإعلامي، والسقوط الأخلاقي، والعبث المهني الذي يؤجج الرأي العام الرياضي، ويفرز الغوغائية والاحتقان ومفردات الكراهية في النسق الكروي. العرج الثقافي تزداد عرجته في مجتمعنا الرياضي عندما لا تعترف المؤسسة الرياضية واتحادها المنتخب.. بخطورة الأمراض الاجتماعية الرياضية، كالفساد الإداري والمالي وقضايا التعصب والعنصرية واللاوعي الرياضي..الخ، على البناء الاجتماعي والرياضي وعلاجها في قالبها العلمي، والاستفادة من طفرة الكراسي البحثية العلمية في صروحنا الأكاديمية ومؤسسات التعليم العالي والتي اتجهت إليها بوصلة بعض القطاعات ولهيئات الحكومية في علاج كثير من معوقاتها التنظيمية، ومثالبها المالية، ومشكلاتها الإدارية بعد أن أصبح البحث العلمي الرياضي ذراعاً للتنمية وبوابة للتقدم المجتمعي الحضاري ..ومن بوابة (الثقافة العرجاء)..!!لن نستطيع إن نقود منظومتنا الكروية للتطور المنشود، والسير بها في مضمار التنمية الرياضية الشاملة بخطى واثقة وثابتة وراشدة.. كما يحدث في معظم المجتمعات المتحضرة «فكراً ووعياً وثقافة».