بفضل من الله جلّ في علاه، نشعر بأننا في بلدنا المملكة العربية السعودية في نعيم ما له مثيل، فالخيرات والأنعام، من لحوم وفواكه، وخضراوات، ومواد معلبة وغير معلبة، أشكال وأنواع لا حصر لها؛ تُجبى إلينا من كل حدب وصوب، من كل بلاد الدنيا، حتى أننا لم نعد نمّيزها من كثرتها وتنوعها؛ ووجودها معنا طيلة الموسم دون انقطاع؛ لكن مقابل هذا النعيم الذي نحمد الله عليه ونشكره، كم يحزّ في نفوسنا ذلكم (العبث والإسراف والتبذير وعدم الاقتصاد وعدم الترشيد) في المناسبات والعزائم والأعزية، والذي -أيضا- ما له مثيل، يمارس من قبل كثير من أبناء المجتمع، ممارسات دون تعقل، وكأن هذه النعم والخيرات، لن تزول، أو لا نخشى ضياعها، أو انعدامها، وما أكثر ما تعلمنا وسمعنا ورددنا أنه «بالشكر تدوم النعم» والشكر وهو من أعظم العبادات، لا يعني حمد المنعم المتفضل وشكره على ما رزق فحسب؛ ولكن الشكر بالمحافظة على النعم، وعدم امتهانها، أو الإسراف والتبذير فيها، فإذا كان الإنسان المسلم وهو في عبادة، حينما يريد أن يتوضأ، نهي عن السرف في ماء الوضوء (لا تسرف ولو كنت على نهر جار) فما بالكم بمن يبّذر، ويسرف، وهو يعلم قول الله تعالى {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} ويقرأ {وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} فأي شكر للنعم ندعيّه قولا، ونحن نقابلها بالامتهان، والرمي في مكبات القمامة بالأطنان فعلا؟! وأي شكر به تدوم النعم، ونحن نرى من يبالغ في المناسبات والحفلات، فيذبح من الأغنام بدون حساب، ولا تعقل، ولا خوف من المنعم الشكور، ظنا بأن قمة الكرم أن يزيد المعروض من الأكل بما يفوق أعداد الحاضرين أضعاف، أضعاف؟! هذا هو الإسراف والتبذير الذي نهانا الله عنه بقوله سبحانه (ولا تبذر تبذيراً) والذي يجب وقفه، والمسرف بسرفه وتبذيره، هو لا يمتثل لقوله تعالى: {كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ} وهو يصنع فوق حاجة المدعوّين، ولا يحاول «الاقتصاد والترشيد» ويجعل همّه وخوفه ومراقبته وخشيته من البشر، وكلام الناس، والله أحق أن يخشاه ويخشى عاقبة ما يصنع، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ودعوني أنقل لكم هذه الصورة عن نبينا صلى الله عليه وسلم، وكيف هو -فداه أبي وأمي- يقدم درسا بليغا في كيفية الحفاظ على الطعام، ويأمر بعدم إضاعته، ما رواه أنس بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا طعم طعاماً لعأصابعه الثلاث، وقال: «وإذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها، ولا يدعها للشيطان» وهناك من بيننا من يحمل الصحون بعضها كما هي عندما جهزّت، إلى مكبات القمائم، الله المستعان، يجب أن يكون لعقلاء القوم في كل منطقة وقبيلة وأسرة، وقفة جادة لحمل القضية على محمل الجد والمسئولية، وإثارتها، بدافع الخوف من الله (لما وصل حالنا مع الإسراف والتبذير والإفراط غير المتّزن في مناسبات الزواجات، والذي لم تسلم منه مناسبات العزاء التي تحولت إلى عزائم ووجبات ومفاخرات، وأكل لمدة أيام العزاء الثلاثة) يجب من وقفة جادة من عقلاء كل منطقة وقبيلة وأسرة، ونحن نلمس الغلاء في الأسعار يرتفع معدله كل شهر، إن لم يكن كل أسبوع، ونرقب الاضطرابات والقلاقل والحروب والنزاعات في البلدان المجاورة، وقد حل بأهلها، الجوع والفقر والمرض، حتى صاروا يفتشون في «القمائم ما يصلح لأكله، وكثير مات بسبب الجوع، بينما نحن وكأن لا شيء يحدث حولنا، فهل من متعظ ؟ هل من وقفة نعلنها لتكون حملة للمحافظة على النعم، يرافقها حملة، تدعو للترشيد والاقتصاد وعدم الإسراف؟