كرَّم معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ منسوبي الوزارة المحالين على التقاعد لهذا العام 1435هـ، وذلك في حفل تكريمي أقامته الوزارة يوم أمس بمبناها الجديد.
وقد ألقى معالي الوزير صالح آل الشيخ كلمة استهلها بحمد الله والثناء عليه، والصلاة والسلام على رسول الله، وقال: إن إقامة مثل هذا الحفل واللقاء إنما هو صلة في تاريخ المحبة والتعاون والعمل، وتذكير بحقكم علينا، الحق الذي أوجبه الأخوة الخاصة في العمل والزمالة الخاصة بتأدية الواجب، هو وفاء وإكرام لكل من عمل بهذه الوزارة زمناً من عمره، خدم الإسلام والمسلمين وأدى الأمانة ونصح وعمل بما عمل، كما أن هذا الحفل فرصة لتجديد العهد بالمحتفى بهم لبداية - إن شاء الله تعالى - تكون صلة للماضي وصلة لما تقدم من التعاون في العمل على ما فيه صالح الإسلام وعز المسلمين.
وأبان معاليه أن العمل الحكومي والوظائف من القياديين، ومن معهم في إدارتهم أو من هم في رأس الإدارة والوزارة والوكلاء هو خاضع لكثير من الاجتهاد والعمل الذي يتحرى فيه الجميع ما استطاعوا الخير وأداء الأمانة والعدل والإنصاف، وهذا هو الأصل، فالجميع حريص على تأدية الواجب والأمانة ونشر الحق والهدى والتعاون على البر والتقوى بأداء مهام هذا الوزارة العظيم، من نشر القرآن الكريم ونشر هدايته وإقامة المساجد والعناية بمنسوبيها ونشر الكتب العلمية النافعة التي تبصر المسلمين بدينهم، وكذلك الدعوة إلى الله تعالى تبصير الناس بما يجب عليهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالكلمة الحسنة وغير ذلك من الواجبات.
ومضى معاليه يقول: من المعلوم أن العمل الذي يشترك فيه شرعاً جماعة يختلفون في مهامهم لكن لا يتم العمل إلا بهم جميعاً فهم جميعاً مأجورون أجر العمل المنتهي، لأنه لا تتم النهاية إلا بالبداية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي والإمام أحمد وغيرهم: (إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر في الجنة، من صنعه يحتسبه، ومن برأى نبله، ومن رما به في سبيل الله). ما عملتم في طيلة عمركم الماضي من تيسير للخير، وإعانة على بناء مسجد، وإعانة على تعيين إمام أو إصلاح أو دعوة أو تبصير، هذا كله مأجورون عليه ولكم عند الله فيه بإخلاص القصد والنية لكم فيه المنازل العالية. هؤلاء ثلاثة أدخلهم الله الجنة بصنع سهم واحد، وهذا هو الذي نتحدث عنه دائماً في مفهوم العمل الوظيفي الذي يخضع للاجتهاد والبعض يكمل بعضاً، عملية لا يستقل واحد في أي عمل اليوم عمل إداري بالنتيجة، ولذلك الجميع مشتركون في الأجر، ولا يمكن لمدير إدارة أن ينتج بدون من معه، ولا وكيل أن ينتج بدون الإدارات التي معه ومن فيها، ولا الوزير أن ينتج بدون وكلائه وبدون مكتبه ووكلائه، ولا العاملون المساندون، فالجميع مشترك في الأجر، وهذا مما يجعلنا دائماً نسأل الله - جل وعلا - قبل العمل الإخلاص فيه وبعد العمل القبول، وأن يكتب الله جل وعلا لنا أجر العمل الذي مضى نحن وإياكم جميعاً المتقاعد ومن على رأس العمل نسأل الله - جل وعلا - أن يكتب له أجر ما سبق وأن لا يكله إلى نفسه وأن لا يعامله بسوء عمله أو ما قد يكون من سوء قصد.
وأكد معالي الشيخ صالح آل الشيخ أهمية أن يسامح بعضنا بعضاً فيما حصل من تقصير، وأنا أطلب من الجميع لي ولإخواني القائمين بالعمل من الإخوة الذين تقاعدوا أن يعفوا ويصفحوا إن جاءهم شيء يسوءهم، أو يرون أنها عدم عدالة، فالجميع مجتهد في تحري الصواب ولكن البشر عرضة للخطأ، وعرضة للنسيان، وعرضة للقصور، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في الصحيح: (اللهم أيما مسلم لعنته أو سببته فاجعلها عليه رحمة)، لأنه بمقتضى البشرية الإنسان قد يحصل له ما يحصل، فنسأل الله - جل وعلا - أن يجعلنا من المتراحمين، وندعو لكم بالرحمة، والمغفرة، والرضوان، والتوفيق فيما تستقبلون، وأن تسامحوننا، وتدعون لنا فيما أحسنا فيه، وفيما أخطأنا فيه.
وشدد معاليه على أن مستقبل الرجل الصالح بعد التقاعد حمد لله - جل وعلا - لأنه أخره إلى هذا العمر وهو يستقبل ما يحسن به لقاء الله - جل وعلا - وهذه فرصة عظيمة تقل فيها المشاغل والواجبات فيجعل في نفسه نصيباً من عبادة ربه كما قال الله جل وعلا في سورة الإنشراح: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ، وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ، فالفراغ من النعم التي يغبن فيها الناس كما ثبت في الصحيح أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)، وهذا يجعل المرء يبحث دائماً عما يسمى إدارة الذات، فالآن مرحلة نظر ومرحلة تأمل فيما تستقبل من عمرك وقد أمد الله - جل وعلا - في عمرنا جميعاً وله الفضل والمنة.
وأهاب معاليه بالمتقاعدين بأن يحرصوا على تدبر الذات وتدبر الوقت، قال عليه الصلاة والسلام، كما ثبت في الصحيح: (إن لنفسك عليك حقاً، وإن لربك عليه حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً فاعط كل ذي حق حقه). فهذا الحديث دل على كيفية الاهتمام بكيفية إدارة النفس والذات، حاثاً معاليه الجميع على حفظ القرآن وتلاوته ومراجعته، فهي أعظم ما يكون في أوقات الفراغ، وهي الأنس الكبير للمؤمن فلا يغفل عن القرآن فهو الصلة بيننا وبين الله - جلا وعلا - بمناجاته بكلامه سبحانه وتعالى، ولذلك هو آيات بينات في صدور الذين أتوا العلم، وهو نور لما في الصدور: (قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ، قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)، كذلك العناية بالقرآن ثم العناية بالصحيحين صحيح البخاري وصحيح مسلم يجعلها المرء معه دائماً إذا بقي من حياتك ما تتعلم فيه وتقبل فيه على الله فليكن كلام الله - جل وعلا - وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم من أهم العلم الذي تستقيه.
وختم معاليه كلمته بتجديد الشكر للمحتفى بهم على عملهم في هذه الوزارة، وحسن صنيعهم وأدائهم للأمانة، وقال: لقد خدمتم الإسلام والمسلمين من حيث تشعرون، ومن حيث لا تشعرون فاحمدوا الله كثيراً على نعمته، ونشكر لكم أيضاً كثيراً على ما أسهمتهم فيه، وأسأل الله لكم أن يجعل ما تستقبلون من أيامكم خيراً مما خلفتم وراءكم.
وكان الحفل قد بدأ بتلاوة آيات من القرآن الكريم، ثم ألقيت كلمة المتقاعدين، ألقاها نيابة عنهم الموظف المتقاعد الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الفريان، جاء فيها: إنه لشرف كبير لي ولإخواني المتقاعدين تشريف معاليكم وحضوركم المبارك في هذا اليوم لتكريم المتقاعدين الذين أتشرف بالتكلم باسمهم ونيابة عنهم وأبتهل إلى الله أن يجزيكم خيراً وأن يثيبكم أجراً، وإني لأحمد الله على نعمه الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى، ثم نشكر لوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وسائر مديري فروع الوزارة بالمملكة، ومنهم فرعنا بالرياض، كما أشكر من عملت معهم في سلك الدعوة إلى الله سبحانه منذ البداية وحتى الآن، فهم متميزون بفضل الله بالتناصح، والتعاون معقود بينهم نحو السعي إلى الإتقان، فقد بذلوا جهودهم لخدمة دينهم وأمتهم ومجتمعهم وولاة أمرهم، فلهم التحية والتقدير، بارك الله فيهم وإلى مزيد من النجاح.
وخاطب فضيلته المتقاعد بقوله: الآن تترجل عن فرس العمل الرسمي وتمتطي صهوة فرس العمل التطوعي والاحتسابي، تستجيب إذا طلب منك أي عمل خيري ليلاً أو نهاراً، فهذا من التعاون على البر والتقوى ومما يرجى فيه الأجر والثواب.
وختم الشيخ عبدالله الفريان كلمته بالقول: أذكر الجميع ونفسي بتقوى الله والحرص على أداء الأمانة وإبراء الذمة، ونصح الأمة والبعد عن الهوى والظلم، والحرص على العدل والإنصاف، وإيتاء كل ذي حق حقه، فطوبى لمن كان مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر يُذكَرُ بعد رحيله أو تقاعده بالذكر الحسن ويدعى له.
وفي ختام الحفل - الذي حضره عدد من الوكلاء والمسؤولين في الوزارة قام معالي الوزير الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ بتسليم هدايا ودروع للمتقاعدين المحتفى بهم، ثم دعي الجميع لتناول طعام الغداء الذي أقيم بهذه المناسبة.