برغم محاولة حركة طالبان المتشددة السعي لتعطيل الانتخابات الرئاسية ووصفها بأنها خدعة مدعومة من الولايات المتحدة حيث تتطلع للإطاحة بالحكم في أفغانستان؛ إلا أن الأفغان، رجالهم ونسائهم ـ بمختلف أطيافهم وتعدد مذاهبهم ـ اتجهوا نحو صناديق الاقتراع في أول انتخابات لتحقيق أول انتقال ديمقراطي للسلطة في تاريخ أفغانستان المضطرب!
وحقيقة سعدتُ بهذه الخطوة المباركة، حيث ينتخب الأفغان الأمل والحرية وينقلبون على اليأس والتمزق بعد أن عاشوا ردحا من الزمن يعانون من العنف والجهل والفقر. وتوقفتُ مليا أمام مجموعة من صور الشعب التي نقلتها وكالات الأنباء العالمية، فاستعرضت منظر كبار السن وهم يغمسون أصابعهم بسعادة في حبر الانتخاب، وشاهدت السيدات وهن بحبور غامر ينتخبن رئيسهم المنتظر بعد تهميش طال المرأة الأفغانية وأبعدها عن مقاعد التعليم فعاشت بين مناجل الفقر تحصدها، وبين معاول الجهل تقطعها ووسط أتون حرب شرسة تحرقها! كما ظهر الشباب بنشوة وفخر وهم يحملون بطاقات الانتخاب. وكان الجميع مبتهجين برغم أن بعض صناديق الاقتراع تُنقل إلى لجان الفرز من الأماكن التي يتعذر الوصول إليها عبر البغال والحمير نظرا لوعورة التضاريس وصعوبة عبور السيارات.
وبعيدا عن تداعيات الانتخابات وما رافقها من عنف من لدن الظلاميين الذين لم يفكروا بإلقاء السلاح والمصالحة والمساهمة بإعادة إعمار بلادهم ! بل قاموا بقتل عشرات الأشخاص في موجة عنف سبقت أيام الانتخابات؛ إلا أن ذلك لم يثنٍ عزم الأفغانيين ولا إصرارهم على الانتظام عبر طوابير مرتبة وسلسة للإدلاء بأصواتهم بعد سنوات عجاف خُيّل لهم ألا ثمة فجر سيبزغ وسط ظلام دامس لا يبدد سكونه سوى دوي الانفجارات وأصوات الرصاص ورائحة الدم تزكم الأنوف وتفتت الأكباد!
سينتخب الأفغان رئيسهم لتطوى صفحة من البؤس لبلد لم يهنأ شعبه يوما بالاستقرار، وكأنه كُتب عليه الشقاء! وأقحمت البلاد في حروب غير متكافئة، وشرد أهلها دون ذنب بعدما تسلطت عليه فئة متخلفة في الفكر متخبطة في التصرفات أعادت البلاد عدة عقود نحو الماضي وحرمتها من الحضارة والرقي والتقدم بعدما كانت تعيش في رغد من العيش وتضاهي أرقى بلاد العالم تحضرا ومدنية!
وإقبال الشعب الأفغاني على التصويت بقوة غير مسبوقة وانتظام صفوف المنتخبين وترحيبهم وبهجتهم؛ يشير لحالة شعبية من الملل والضيق بطالبان حيث جربوا السنوات الماضية هدوءا نسبيا يشجع على قيام دولة مؤسسات ديمقراطية ذات سيادة وقانون وعدالة وتنمية وبناء.