عندما يتحدث المرء عن القديم فإنه يبحر كثيراً وكثيرا ًفي أعماق الماض التليد ويسبح ويغوص في شتَّى جوانبه ليكتشف ويكتسب ثقافته العامّة من خلال ما يشاهده من آثار - ومعالم تاريخيَّة وشواهد قديمة تستدعى شق الهمَّة وتجديد الخلايا وإذكاء جذوة الروح وهمَّة الشباب وإن كانت مقترنة بحكمة الكهول ولا ينبغي بحال من الأحوال أن يستسلم المرء لسبب ((ما)) أو لآخر سواء لدواعي اليأس أو الملل فالواجب على المرء أن يجدد المعلومة والثقافة والفكر وينشط العقل ويبحث عن كل شيء جديد أو قديم وقد ارتبط ذلك الماضي بعصر الكتاتيب التي انتشرت في كل قرية ومدينة وريف في أنحاء بلادنا المترامية الأطراف وقد حل محلها عصر المدارس النّظاميَّة حتَّى وصل العلم إلى كل قرية ومدينة وريف لذا فقد زرت مدرسة أنس بن مالك الابتدائية بحي العريجا القديمة بالريِّاض التي تقع على ضفة وادي حنيفة في الجهة الجنوبيَّة الشرَّقيَّة من حي العريجا وتتكون من دورين مبنيين من اللبن والطين والحجر المحلى وأعمدتها المكونة من الحجر الصّلب المستدير الّذي يتجاوز طول الواحدة منه 50 سم تقريباً معمولة بطريقة هندسيَّة جميلة راقية تحيط بها النّقوش من كل جانب مطلية بالجبس الأبيض والأسمنت الأسود مستقاة من الموادِّ المحلِّيَّة إلى جانب أبوابها الجميلة المطرزة بالألوان المتعدِّدة والمرايا المتعدِّدة ذات الاشكال المختلفة من مثلثة ومربعة ومستطيلة محاطة من جوانبها الأربع بمسامير صفراء اللون تعطي شكلاً جميلاً وكذلك السّبورات الخشبيَّة السّوداء المتحركة داخل الصفوف والطباشير الملوَّنة المصنوعة من الجبس الخالص وتتكون الإدارية من مدير ووكيل وهيئة تعليميّة وإداريَّة ومستخدمين ومراسل ومراقب وكان أوَّل مدير لهذه المدرسة عند تأسيسها الشيخ الفاضل راشد بن محمد المطرّف وفقه الله ثم خلفه الشّيخ والمربي الفاضل عبدالعزيز عبدالرحمن الجابر وفقه الله حتَّى أحيل على التّقاعد وقد تأسست المدرسة عام 1380هـ وقد خرجت أجيالاً وأجيالا من هذه المدرسة واعتلوا مراكز حكوميَّة في شتَّى القطاعات الحكوميَّة والأهليَّة من تعليميَّة وإداريَّة وعسكرية وطبِّيَّة وهندسيَّة وكثيراً منهم يعملون حتى الآن والبعض الآخر تقاعد حسب النظام المتبع أو تقاعد مبكراً وقد حظيت المدرسة منذ تأسيسها بكوادر تعليميَّة من وطنيَّة ووافدة تمتاز بالحرص الشديد والهمَّة والنّشاط والعطاء المتواصل والمعلومة المتميزة ولثقافة العاليَّة في كافة المواد الدّراسيّة إلى جانب الإدارة الواعية والحرص الشّديد على طلابها وترغيبهم إلى طلب العلم وتسهيل كافة المعوقات التي تعيق الطالب آنذاك بكل ما تستطيعه إدارة المدرسة المتميزة في عصر كانت الحياة قاسية جداً شديدة البخل ولا تستجيب إلا لأصحاب الهمم العاليَّة التي لا تلين فقد كان مدير المدرسة محل تقدير واحترام من قبل الهيئة التَّعليميَّة والإداريَّة وأولياء الأمور عامَّة لما يملكه من صفات وخصال حميدة منحته الحب والتقدير والاحترام فكان يبذل قصارى جهد في التّعاون مع كافة الطّلاب أولاً ومع المدرسة ثانياً في شتَّى الأمور ويمتاز بدماثة خلقه وحسن تصرفه وأسلوبه الراقي مع كل شخص يزور المدرسة وكان هذا تعامله أيضاً فكان ناقلاً هموم طلابه معه داخل المدرسة وخارجها مكرساً جهوده في إمداد بكل معلومة وكل صغيرة وكبيرة في حث كافَّة الهيئة التَّعليمية على بذل قصارى جهدهم في إمداد الطلاب بكل ما يفيدهم وما يدفعهم نحو المستقبل في مواصلة التّعليم والَّذي يعرف أستاذنا الفاضل يصفه بصفات السّلف الصّاَلح وبالعلم الممزوج بالعمل وبالتقوى المطعمة بالفرحة والبسمة الغامرة وبالرجل الذي شابه خَلْقُه خُلُقَه جمالاً وبهاءً وقد يظن القارئ الكريم أن حدَّيثي هذا تزويق من القول، أو مبالغة في الوصف ولكن هو حقيقة القول لأنني أخذت جهداً في البحث والتنقيب عن سيرة هذا المربي الفاضل عن أوثق مصادرها ومن أصفى منابعها.