على مدى عشرين عاماً طيلة فترة عمله أميراً لمنطقة حائل كان لي شرف العمل مع سموه الكريم مديراً للعلاقات العامة والمراسم بإمارة المنطقة وهو العمل الذي يقتضي أن أكون على احتكاك مباشر على مدار الساعة مع سموه مما يجعلني أزعم أنني أعرف هذا الرجل حق المعرفة وأعرف ما يريد من خلال تعابير وجهه حتى وإن لم ينبس ببت شفة.
كنت أضبط ساعتي على مواعيد حضوره من شدة احترامه للوقت فهو يرفض أن يأتي أو ينصرف قبل موعده ولو بدقيقة واحترام الوقت بهذه الصفة الصارمة لها في برامج تحليل الشخصية ما يؤكد أدق معاني الالتزام وسمو الأمير خير مثال للالتزام عملياً وأدبياً ذلك لأنه يؤمن بأن المسؤول طالما كان معنياً بوقته ووقت الآخرين فإنه بالنتيجة سيكون معنياً بمسؤولياته الملقاة على عاتقه ومعنياً بتقديم الأنموذج لكل من يعمل معه في كيفية احترام الوقت.
لقد جمع (أبو فهد) في شخصيته رغم أنه ابن المؤسسة العسكرية المعروفة عادة بالصرامة نفساً أبوية غاية في الرقة بحيث يمكن أن تؤرقه مسألة إنسانية ما طوال سحابة يومه مالم يجد الحل لوضعها في نصابها إلى جانب قدرة فائقة في خلق أجواء من المودة في كل تفاصيل عمله ليمنح كل من يعمل معه الشعور بالمتعة فيما يعمله بعيداً عن التشنج أو الاستعجال الذي قد يعصف بالعمل أو يقلل من قيمة مخرجاته لا تستهويه الاجتماعات التي تستنزف الوقت ويعاد فيها إنتاج نفس الفكرة بصيغ مختلفة يريد أن يذهب مباشرة إلى الحلول ليصل إلى النتيجة بأقصر الطرق وهو جزء لا يتجزأ من طبيعة احترامه للوقت.
أسلوب تفكيره العلمي البعيد عن النمطية والتقليدية وذاكرته المتقدة وثقافته المتنوعة التي اكتسبها من قراءاته الواسعة كل هذا يجعل منه الرجل القادر على استثمار أي حوار للخروج بأفضل ما يمكن من النتائج لصالح عمله.
وعلى الجانب الإنساني يبقى مقرن بن عبدالعزيز الرجل الإنسان أنموذجاً مثالياً لأسمى معاني الإنسانية وهو الذي يصر دوما على أن يشارك الناس كل أفراحهم وأتراحهم يقبل رؤوس كبارهم ويحنو على صغارهم ويزور مريضهم ويشارك في تشييع موتاهم ويتفقد غائبهم هذا مايعرفه عنه الناس فضلاً عن سعيه الدؤوب من خلال فتح قلبه لكل المظروفين والإنصات إليهم والعمل على معالجة أوضاعهم بعيداً عن الآخرين حتى يحفظ لهم كرامتهم وكبريائهم.
كل من يلتقي الأمير مقرن وقد قالها العديد من الأشخاص الذين قابلوه قالوا باتفاق عجيب: هذا الرجل ما إن تقابله فإنك لا تملك إلا أن تضعه على رأس قائمة أصدقائك نتيجة عدم تكلفه وردم المسافة بينه وبينهم من اللقاء الأول.
ذات مرة قال الأديب عبدالله الجفري رحمه الله عندما التقاه مع عدد من الأدباء والمفكرين أثناء زيارتهم له في مزرعته في حائل هذا الرجل يجب أن يلقي الدروس والمحاضرات للآخرين عن كيفية بناء العلاقات العامة.
وسعة أفقه واطلاعه الواسع على مجريات الأحداث محلياً ودولياً وقدرته الفذة على تكوين رؤية استشرافية لها وعنايته بتقنيات العصر الجديد جعلت منه الرجل القادر على الفهم العميق لكل ما يجري وهو الأمر الذي بنى عليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أيده الله ومتعه بالصحة والعافية ليختار سموه كولي لولي عهده إيماناً منه يحفظه الله بكفاءة سموه الكريم كأحد أركان القيادة في زمن ثروة المعرفة.
فهنيئا للوطن هذه النموذجية في بناء تسلسل السلطة وهنيئاً للوطن بهذه القيادات الحكيمة التي ترسم صورة المستقبل بكل الثبات وهنيئاً لأبي فهد هذه الثقة الملكية الأبوية الغالية وهنيئاً لنا جميعاً هذا الاختيار الحكيم سدد الله خطى قادة هذا الوطن لكل خير وحفظ بلادنا من كل سوء.