لم تعد المسلمات الاقتصاديَّة والإداريَّة التي تعايشنا معها في التسعينيات الميلادية تتناسب مع مستجدات الفترة التي نعيشها الآن. والذين لم يدركوا هذه الحقيقة تعداهم الزمن وتراجع أداؤهم بل وتأخرت -إن لم تكن سقطت- المنظمات الاقتصاديَّة التي يديرونها.
سقطت شركات أمريكيَّة عملاقة في العام 2007م، 2008 بما فيها بنوك عريقة وشركات تأمين كبيرة بمجرد هزة اقتصاديَّة recession. حقيقية لا تقارن بالانهيارات الاقتصاديَّة depressions التي وقعت في الأعوام 1929، 1943، 1967، و1973 1983.... إلخ. التي لم تتمكن من إسقاط ذات الشركات!! لماذا؟
تشير البيانات الإحصائيَّة التي صدرت في عام 2013 إلى أن 90 في المئة من الصادرات الأمريكية تنتج من مؤسسات متوسطة وصغيرة وربما متناهية الصغر.
وفي إيطاليا يتم إنتاج 86 في المئة من الصادرات في مؤسسات صغيرة، 80 في المئة منها تُعدُّ في المنازل.
من لم يقرأ المستجدّات والمتغيِّرات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة فلن يفشل فقط في إدارة منشآته، بل لن يستطيع التعامل مع أبنائه.
من منّا لم يتغيّر اسم ابنه من الاسم الذي اختاره له عند ولادته إلى اليوزرنيم (Username). مواكبة المستجدات لم تعد خيارًا للشخص بل ضرورة تقتضيها حركة التطور. لم تعد المسلمات الاداريًّة والاقتصاديَّة التي تعلَّمناها في الأمس القريب صالحة للفترة الحالية. لم يعد المكان الجغرافي عاملاً مؤثِّرًا في الإنتاج كما كان في السابق.
يوم الجمعة الماضي فقدت كمبيوتري المحمول وأشار علي أحد الأبناء بأن اشتري هذه المرة ماك برو، أفادني البائع بأن عليّ تحميل مايكروسوفت أوفيس من منزلي وأن ذلك لا يتطلب شيئًا أكثر من توفر الواي فاي (WIFI).
وعندما شرعت في تحميل مايكروسوفت أوفس في منزلي اضطررت للاتِّصال بالشركة عن طريق الهاتف للاستفسار عن بعض خطوات التحميل... إجابتني سيدة مهنية وساعدتني في حلِّ كافة العقبات التي واجهتها... وبعد انتهاء المكالمة أخذت المعلومات الخاصَّة بي بما فيها موقعي الجغرافي. كنت أظن أنها تتصل من كاليفورنيا واتضح بأنها قد عالجت مشكلتي من بيتها في مانيلا الفلبين. أما مدة معالجة المشكلة فقد استغرقت ثلاث دقائق ونصف الدقيقة.
يا له من عالم صغير! مواطنة فلبينية، موظفة في شركة مايكروسوفت الأمريكية تعمل من منزلها في مانيلا في الفلبين وتقوم بعمل الصيانة عن بعد، وتعالج مشكلة لجهاز يحمله سعودي في هيوستن!! عالم صغير عالم الواي فاي.
أعتقد أنّه حان الوقت لتقوم شركات التصنيع والإنتاج والجمارك العالميَّة بتغيير كلمة (صنع في الدولة) إلى (صنع من قبل الشركة.....) لأن الموقع الجغرافي لمِّ يعد مدخلاً رئيسًا في عملية الإنتاج.
الذي أردت أن أصل إليه هو أن سياسة وآليات الإنتاج والتجارة قد تغيَّرت، ونحن أحوج ما نكون لقراءة هذه المستجدات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة وإعادة صياغة السياسات المتعلقة بالاقتصاد المحلي لتتناسب ومعطيات المرحلة ومستجداتها؛ بما في ذلك اتِّخاذ الخطوات التالية:
1ـ التركيز في الخطط الاقتصاديَّة على دعم وتسهيل عمل وحركة المؤسسات الصَّغيرة والمتناهية الصغر (مجتمع الواي فاي) تمويلاً وتدريبًا وتسهيلاً.
2ـ العمل بقدر الإمكان على توفير خدمة النت في الدوائر الحكوميَّة وتشجيع مؤسسات القطاع الخاص على توفير الخدمة تشجيعًا لتسهيل الحركة الاقتصاديَّة بما فيها تجارة الإنتاج والخدمات.
3ـ قيام الأجهزة المختصة بالتركيز على توعية الشباب والمبادرين بمستجدات المرحلة ومتغيِّراتها ومعطياتها.
4 ـ تحديث مناهج التَّعليم العام والتَّعليم الجامعي بشكل مستمر يعكس المستجدات المتسارعة. تقول المستشارة الألمانية ميركل: «السؤال ليس فقط هو: هل نحن نتغيّر أم لا بل هل نحن نتغيّر بالسرعة المطلوبة؟»
والله ولي التوفيق