القدرة الإيرانية في المجالات العسكرية، وأحلامها النووية وغطرستها في مواصلة تصدير «ثورتها» إلى الخليج العربي القريب، مروراً بسوريا واليمن والعراق ولبنان وغيرها من الدول يحتاج إلى تفكير خليجي موحد لا فردي، ووحدة صف وموقف إن لم نقل وحدة مواجهة لكي تقتنع إيران بأن هذه الغطرسة لن تكون على حساب الخليج ودوله وأن هناك حدوداً يجب أن تقف عندها، لكن ذلك يتطلب موقفاً خليجياً حازماً وأن يبنى ذلك على أرضية خليجية صلبة، ولقد عمل المجلس خلال العقود الماضية على لعب دور مهم في لم الشمل الخليجي خلال أزمات كبيرة عانتها دول المنطقة ومحيطها العربي ومنها أحداث العراق وسوريا واليمن ولبنان والبحرين، ولكن المأخذ على المجلس فيما مضى انحساره عن لعب دور قوي خلال الدخول الأمريكي للعراق، وترك الساحة لغيره من اللاعبين أي الولايات المتحدة الأمريكية وإيران التي كانت وما زالت سبباً رئيسياً في أحداث العراق الحالية وعدم استقراره.
ولكن التاريخ يعود من جديد ليكتب الآن، لذلك على المجلس الذي يجمع ست دول عربية خليجية، لها ثقلها العربي والإقليمي وحتى الدولي لذلك عليه أن يعيد انطلاقته وهو ما تحقق جزء منها في السنوات الأخيرة.. حيث حرص قادة دول المجلس على جعل القوات المسلحة بدولهم على درجة عالية من التجانس والتوافق فقد تمت الموافقة على الإستراتيجية الدفاعية لدول المجلس، كما تم تخطيط وتنفيذ العديد من المناورات المشتركة بين وحدات من القوات البرية والبحرية والجوية، والدفاع الجوي ووحدات الخدمات الطبية، وقوات درع الجزيرة، ويعد التمرين العسكري المشترك (تمرين درع الجزيرة) من أحدث التمارين المشتركة بين القوات العسكرية لدول المجلس وتلته تمارين أخرى في ذات الشأن.
كما تم وضع وتوحيد آليات عمل مشتركة لتبادل المساندة الفنية في مجالات الإمداد والتموين والصيانة، والتزود الفني بين القوات المسلحة بدول المجلس، إضافة إلى التعاون والتنسيق في مجال التعليم العسكري وتبادل الخبرات والخبراء وتوجت هذه الجهود والانجازات بمصادقة المجلس في قمته الثالثة والثلاثين التي عقدت بدولة البحرين في شهر صفر 1434هـ على إنشاء قيادة عسكرية ووحدة تقوم بالتنسيق والتخطيط والقيادة للقوات البرية والبحرية والجوية المخصصة والإضافية بدول المجلس وهو ما سوف يعود على العمل العسكري الخليجي بالمزيد من التطوير والتنسيق والتعاون الكامل لمواجهة التحديات المتعددة والمتجددة التي تتعرض لها دول المجلس.. إذاً ما هو المطلوب في هذه المرحلة الحرجة والحساسة التي تمر بها المنطقة بشكل عام ؟!.. بلاشك أن أمنية كافة أبناء الخليج العربي تتمحور حول وحدة خليجية شاملة وبدون تردد ومن خلال النقاط التالية:
الأمل الأول: أن يشمل الاتحاد الخليجي المنشود جميع دول مجلس التعاون الست بلا استثناء باعتباره السبيل الأمثل لمواجهة المخاطر والتهديدات وتلبية المصالح والطموحات لدول وشعوب المجلس، وإذا ما تم ذلك فسوف يصبح الاتحاد الخليجي المنشود بديلاً عن مجلس التعاون الحالي، لكن البعض يتوقع أن تتردد بعض دول المجلس في الانضمام إلى الاتحاد في المرحلة الحالية، وذلك لأسباب مختلفة منها:
1- قناعة البعض بأن المجلس الحالي كان لدفع المضار وجلب المصالح لدول المجلس، خصوصاً بعد أن أقر المجلس الأعلى في دورته الثالثة والثلاثين في المنامة 1434 - 2012م في بيانه الختامي: «إنشاء قيادة عسكرية موحدة» ووافق على الاتفاقية الأمنية لدول المجلس بصيغتها المعدلة مؤكداً على أهمية تكثيف التعاون سيما فيما يتعلق بتبادل المعلومات بين الأجهزة الأمنية في الدول الأعضاء، فضلا عن توجيه اللجان المعنية بالجانب الاقتصادي بسرعة تنفيذ ما ورد في الاتفاقية الاقتصادية بخصوص توحيد السياسات المالية والنقدية، وتكامل البنية الأساسية وتعزيز القدرات الإنتاجية، بما يضمن إتاحة الفرص الوظيفية لمواطني دول المجلس، وكلفت لجنة التعاون المالي والاقتصادي بتقديم برامج عملية وفق جداول زمنية، للانتقال إلى آفاق أرحب للتكامل والاندماج الاقتصادي بين دول المجلس، وتأسياً على هذه القرارات الجديدة التي تم اتخاذها الاتحاد المنشود لن يضيف جديداً إلى الوضع الراهن للمجلس، ومن ثم فلا ضرورة له.
والحق أن هذه القناعة تفتقر إلى ما يؤيدها أو يدعمها، إذ إن الحاجة إلى الاتحاد لا تعود في رأي كثير من المفكرين والمحللين إلى ندرة القرارات أو القوانين الموحدة التي تصدر عن مجلس التعاون الهامة، ولكن بعضها لم يترجم. على أرض الواقع حتى الآن، واحتاج البعض فيها لفترات طويلة حتى يرى النور، ويرجع المحللون ذلك إلى تباطؤ الهيئات والجهات والآليات المعنية بالتنفيذ، وغياب أجهزة المراقبة والمحاسبة، وتغليب المفهوم العشائري والقبلي الإستراتيجية العامة، إلى غير ذلك من الأسباب.
2- اعتقاد البعض أن الاتحاد المنشود سيحقق مصالح للدول الكبرى على مصالح الدول الصغرى، التي تتمتع في ظل الوضع الراهن للمجلس بالكثير من المزايا التي تتعلق بوضع تلك الدول ومكانتها الإقليمية والدولية -سياسياً واقتصادياً- والتي لن تبقى على ما هي عليه الآن إذ انضمت إلى الاتحاد، بل سيجبرها وضعها المميز الحالي لحساب الدول الكبرى في الاتحاد، وهو اعتقاد في غير محله، لأن ما تحققه أية دولة من دول الاتحاد من مكاسب تقابله استحقاقات وغالباً ما تكون الدول الكبرى مسؤولية من غيرها من دول الاتحاد، مع تساويها مع غيرها من الدول الصغرى في العائدات، وهذا ما تؤكده مسيرة مجلس التعاون، وسجلاته التاريخية، فضلاً عن أنه في ظل العمل الموحد لن يكون هناك ما ينسب إلى دولة أو أخرى وإنما سينسب الإنجاز إلى الاتحاد بعامه.
3- رؤية البعض بأن الانتقال من صيغة (التعاون) والتي عليها المجلس منذ إنشائه، وكانت السبب الرئيس لنجاحه وبقائه طيلة الأعوام الأربعة والثلاثين الماضية، لأن كل دولة كانت تتبع السياسات التي تراها. وتلتزم بقراراته وقوانينه برضاها -إلى صيغة (الاتحاد) بما قد يترتب عليها من قيود، من الممكن أن تنتهي إلى الفشل، بل من الممكن في حال الإصرار على فرضها- أن تقود إلى تفكك المجلس أساساً، وهي رؤية تعوزها الأدلة، خصوصاً أنه لم يعلن بعد صورة نهائية لما سوف يكون عليه الاتحاد المنشود، ومدى نوعية القيود التي سيفرضها على أعضائه.
وأياً كانت أسباب التردد التي يبديها البعض بشأن الانضمام للاتحاد في المرحلة الحالية، فالمتوقع لدى كثير من المحللين أن يتم إعلان البدء بالاتحاد بين الدول الراغبة في الانضمام إليه في هذه المرحلة على أن تبقى الفرصة متاحة لمن يرغب الانضمام إليه في المستقبل.. إلا أنه آن الأوان لدول المجلس أن تحسب حساب المستقبل وما يستجد كل يوم على الساحة الدولية والخليجية إذ إن الاتحاد أصبح ضرورة ملحة ومطلباً عاجلاً لكل دول المجلس وعليها أن تتجاوب مع دعوة خادم الحرمين الشريفين التي أطلقها في الدورة الثانية والثلاثين التي عقدت بمدينة الرياض في 24-25 محرم عام 1433هـ، وجددوا الدعوة إلى الوحدة والاتحاد في الدورة الثالثة والثلاثين التي عقدت في المنامة عام 1434هـ فهو صاحب رؤية ثاقبة وخبرة ودراية طويلة بأحداث المنطقة وما مر بها معاصراً لكل تلك الظروف والأحوال وهو رغم ذلك (يحفظه الله) لم يشر في مقترحه إلى صورة محددة للاتحاد المنشود تاركاً الأمر لقادة المجلس وأعضاء الهيئة المتخصصة، ليختاروا ما يرونه من صور الاتحاد، حتى لا يتصور أيّ من أعضاء المجلس أن الاتحاد المنشود قد يمس سيادته أو استقلاله فيعارضه أو يرفضه، فالغاية هي الوصول إلى صيغة اتحادية مقبولة من الجميع، ونحن كخليجين نتطلع وكلنا أمل أن يتم هذا الاتحاد عاجلاً ليس آجلاً لمواجهة جميع التحديات الحقيقية وغير الحقيقية ولكي تكف دول الغطرسة عن تفكيرها وتعيد حساباتها، وعلى دول مجلس التعاون إذا ما أرادت أن يكون لها شأن دولي أقوى وأشمل أن تعمل لوحدتها وتجاوز كل المخاوف غير الحقيقية والتردد الذي يضعفها ولا يقويها وكما قال الشاعر:
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا
وإذا ما افترقنا تكسرت أحادا
نأمل أن نرى الاتحاد قريباً بإذن الله المولى فهو القادر على تحقيق الآمال التي تراود كل أبناء الخليج وإلى غدٍ أفضل بإذن الله وتوفيقه.