اعتمدت المؤسسة العامة للخطوط الحديدية في خطة نطاق انتشار خدماتها عددا من المشروعات التوسعية على ثلاث مراحل؛ بدأت المرحلة الأولى 2010م وتنتهي المرحلة الثالثة في 2040م وبطول 9900 كم في المراحل الثلاث وبقيمة إجمالية تقريبية تصل إلى 365 مليار ريال، واعتمد ضمن هذه المشروعات الضخمة ما هو تحت التنفيذ الآن وما هو تحت الدراسة حسب المدرج زمنيا في كل خطة، ومن ذلك: مشروع قطار الحرمين السريع، والجسر البري الذي يربط الرياض بالدمام خط 2 وبجدة، وخط الشمال الجنوب! وخط دول مجلس التعاون.
وتحت الدراسة: خط الطائف - خميس مشيط - أبها، وخط ينبع - جدة، وخط جدة - جازان.
وبتتبع مسار سكك الحديد التي تنفذ الآن أو التي تحت الدراسة نجد أن عيون مخططي المؤسسة وواضعي دراساتها المستقبلية لا ترى من خريطة البلاد الجغرافية إلا ما كان شمالا أو شرقا أو غربا؛ وكأنها موكلة بتلك الجهات والنواحي من بلادنا العزيزة وليست مسؤولة عن نصف مساحة المملكة الذي يبدأ من الرياض إلى آخر نقطة في حدودنا الجنوبية مع اليمن؟!
أي أن هذا المسار الجنوبي الممتد من الرياض إلى الخرج إلى حوطة بني تميم إلى الأفلاج إلى وادي الدواسر إلى نجران والمار بعشرات المدن والقرى ذات الكثافة البشرية العالية والأرياف والمناطق الزراعية والبترولية؛ هذا المسار مهمل بالجملة من التخطيط القريب والبعيد ولم يرد له أي ذكر لا في الخطة الأولى ولا في الثانية ولا حتى في الثالثة!
وبمطالعة خريطة المشروعات التي وضعتها المؤسسة في موقعها الإلكتروني التي تنفذ أو ما هو تحت الدراسة للخطط الثلاث القادمة نرى عجبا؛ حيث تتقاطع الخطوط بأربعة ألوان رابطة بين الشرق والغرب والشمال والوسط والساحل الغربي الجنوبي؛ بينما تتوقف المؤسسة في الرياض قاطعة صلتها بجنوب المملكة وكأنها غير مسؤولة عن هذا الاتجاه أبدا!
حتى إن خط الشمال - الجنوب الذي تقوم على تنفيذه شركة سار ارتكب في تسميته خطأ جغرافيا لا يمكن تصحيحه إلا بمد مساره إلى آخر نقطة في حدودنا الجنوبية مع اليمن، أو تعديل مسماه لينطبق الاسم على الاسم بدقة «خط الشمال - الوسط»!
هذا ليس خط الشمال - الجنوب!
إنه إطلاق لاسم بعيد عن الواقع؛ فليس لجنوب المملكة صلة بشمالها هنا؛ بل صلة بالوسط ليس إلا.
لقد نامت الخطوط الحديدية أكثر من سبعين عاما منذ أن بدأت أول مشروعاتها، وقدمت أسوأ صورة لما يمكن تقديمه من خدمات شبه بدائية لركابها المحدودين الذين صبروا عقودا طويلة على بؤس محطاتها المتخلفة ونظام تشغيلها الرتيب ورداءة عرباتها المتهالكة وكثرة تعطلها وخرابها وبطء سيرها كالسلحفاة وأنينها وحنينها وسط بحور الرمال ولهيب الصحراء في خطها «الوحيد» المزمن من الرياض إلى الدمام!
لم يكن لمؤسسة السكك الحديدية إلا خط واحد عتيق لم يطور ولم يحسن ولم تزد محطاته ولم تجدد عرباته بما كان يؤمل من حيث الحداثة والجدة والتقنية والراحة والسرعة، ومع ذلك لم تستح المؤسسة ولم تخجل وهي تطلق على نفسها طوال سبعة عقود اسم غير دقيق هو «المؤسسة العامة للسكك الحديدية»، بينما هي في الواقع سكة واحدة لا غير؛ من الرياض إلى الدمام!
وحين ضاقت الصدور بهذا التردي في خدماتها صدرت الأوامر الملكية الكريمة بمعالجة ذلك القصور والانتقال بها من مرحلة التوقف والإهمال إلى التطوير والتحديث والتوسع، وهو ما نأمل أن تتجه إليه المؤسسة الآن في عهدها الجديد.
ربما يبحث معالي وزير النقل عن جدوى اقتصادية لمد سكة حديد الشمال إلى آخر نقطة حدودية في بلادنا جنوبا؛ فأقول لمعاليه: إن أكبر جدوى اقتصادية ليست في نقل البضائع ولا الفوسفات ولا البترول ولا المعادن فحسب؛ بل في حفظ أرواح الناس وخدمتهم والتقليل من المآسي والمجازر البشرية يومياً على هذا الخط المعبد الوحيد بين جنوب المملكة وشمالها.