على الرغم من أن اسم محمد قد يكون أكثر الأسماء شيوعا في العالم، فإن النظام المصرفي العالمي لا يستطيع فيما يبدو التعامل معه بسهولة ومع طرق كتابته المختلفة بالإنكليزية. يقول جون غاريت مدير إدارة الامتثال في بنك أبوظبي الوطني إن النتائج الخاطئة التي تظهر عند التحقق من التزام فرد أو معاملة بعقوبات معينة ترتفع لدى بنوك الشرق الأوسط إلى المثلين تقريبا مقارنة بكثير من البنوك العالمية بسبب شيوع أسماء مثل محمد.وتتكلف البنوك وعملاؤها وقتا ومالا لتصحيح هذه الأخطاء وهو ما يسلط الضوء على تزايد تكاليف الامتثال لدى بنوك الشرق الأوسط وأفريقيا:
وتواجه إدارات الامتثال مجموعة متزايدة من اللوائح بسبب الإخفاقات التي كشفت عنها الأزمة المالية وتعامل البنوك مع العديد من الشركاء في أنحاء العالم أكثر من أي وقت مضى. وكان جيمي ديمون الرئيس التنفيذي لبنك جيه.بي مورغان تشيس قد قال إن من المنتظر أن ينفق البنك مليار دولار إضافيا على إجراءات الامتثال هذا العام، وإنه أضاف أربعة آلاف موظف في تلك الإدارة منذ عام 2012.وهذه الأرقام أكبر مما يمكن أن تستوعبه البنوك في إفريقيا والشرق الأوسط.وقال فاروغ نركيزيان الرئيس التنفيذي لبنك الشارقة المدرج في بورصة أبوظبي الذي تبلغ قيمته السوقية 1.01 مليار دولار، إن البنك سيعزز فريق الامتثال إلى أكثر من مثليه في الأشهر الاثني عشر شهرا المقبلة ليصل إلى عشرة أفراد ارتفاعا من أربعة. وأضاف أن البنك سينفق أيضا ملايين الدولارات على برمجيات جديدة.
انسحاب بنوك
من المفترض أن يكون الامتثال لمعايير عالمية مفيدا لبنوك الشرق الأوسط وإفريقيا. فدور الأسواق الناشئة في النشاط التجاري يتزايد ويتيح مزيدا من الفرص. ويتوقع بنك ستاندرد تشارترد أن تشكل تجارة الجنوب-جنوب 40 في المائة من التجارة العالمية بحلول عام 2030. وتقوم بنوك عالمية بالانسحاب من خدمة بعض الأسواق مع ارتفاع تكلفة إجراءات الامتثال. فبعد القرار الذي اتخذه بنك باركليز في يونيو بالتوقف عن تنفيذ التحويلات المالية إلى الصومال بدأ العملاء يبحثون عن سبل أخرى. لكن البنوك الغربية صارت تتجنب التعامل مع بعض بنوك الشرق الأوسط وافريقيا لأنها لا تستطيع تحقيق معايير الامتثال المطلوبة خارج أسواقها المحلية. وقال غوردون اتشا رئيس قطاع المؤسسات المالية في إفريقيا لدى بنك سيتي غروب «حقيقة الأمر هي أن كثيرا من هذه المؤسسات يفتقر إلى البنية الأساسية لتحقيق الامتثال». وقد رفض اتشا التعامل مع بعض البنوك في افريقيا خشية أن يؤدي ضعف نظم الامتثال لديها إلى تغريم البنك الأميركي. وتشعر بنوك الشرق الأوسط وافريقيا بالاستياء لاضطرارها إلى إنفاق مبالغ كبيرة لضمان الامتثال. وقال عبد العزيز الغرير رئيس مجلس إدارة جميعة مصارف الإمارات والرئيس التنفيذي لبنك المشرق في دبي «لا يعجبنا قانون الامتثال الضريبي للحسابات الخارجية (الأميركي) ولا نريده لكن ليس لدينا خيار». ويجبر القانون البنوك على الإفصاح عن الأصول المملوكة لمواطنين أميركيين خارج الولايات المتحدة.وقال الغرير إن البنوك الإماراتية ستتكلف ما لا يقل عن 100 مليون درهم (27 مليون دولار) لتوفير النظم والبنية الأساسية اللازمة لتطبيق ذلك القانون.وليست التكلفة المالية هي العائق الوحيد. فهناك أيضا صعوبة في توظيف فرق لإدارة الامتثال والاحتفاظ بها.وقد كثر الحديث عن الصعوبات التي ستواجهها هيئة الرقابة الجديدة بالبنك المركزي الأوروبي لتوظيف 770 مراقبا على مدى 12 شهرا قبل موعد تدشينها فضلا عن التداعيات الواسعة على هيئات الرقابة داخل الدول والقطاع الخاص.
تنقل الموظفين
ويؤدي ذلك إلى استئثار المؤسسات المرموقة بتلك المهارات وحرمان البنوك الأصغر حجما الموجودة في مناطق أقل أهمية. وتثير الوتيرة السريعة لتنقل موظفي الامتثال بين المؤسسات تساؤلات أيضا بشأن إمكانية تطبيق كل اللوائح الجديدة بفاعلية حتى في الأسواق المتقدمة.وقال سام موس مدير علاقات المستثمرين في بنك فرست راند إن تزايد الطلب على الموظفين المهرة يفسح المجال لكثير من الموظفين الجدد قليلي الخبرة. ويعمل لدى فرست راند - ثاني أكبر بنك في جنوب إفريقيا من حيث القيمة السوقية - 112 موظفا بدوام كامل و57 موظفا بدوام جزئي في إدارة الامتثال من إجمالي 34 ألف موظف تقريبا.
وتوجد تعقيدات أخرى لا تحتاج البنوك العالمية الى التفكير فيها في أسواقها المحلية.يقول مصدر في بنك افريقي طلب عدم نشر اسمه إن السياسات المحلية التي تشجع التمييز الإيجابي في التوظيف تقيد البنوك.
فعلى سبيل المثال يحدد قانون تمكين السود في جنوب إفريقيا حصصا لتوظيف المواطنين السود بينما يحدد نظام «نطاقات» في السعودية مستويات مستهدفة لتوظيف السعوديين في القطاعات المختلفة بما فيها الخدمات المالية. وتواجه البنوك المحلية والعالمية على السواء مشكلة تتعلق بالافتقار إلى قواعد عالمية لتنظيم مسألة الامتثال إذ ان المعايير تختلف باختلاف مناطق العمل. فالولايات المتحدة تصنف جماعة حزب الله اللبنانية كجماعة إرهابية، وهو ما يترتب عليه عقوبات مالية، بينما لم يكن الاتحاد الأوروبي يصنفها بذلك حتى يوليو الماضي وهو ما يعني أن البنوك لم تكن مضطرة لاتخاذ إجراء بهذا الشأن في أوروبا. لكن إذا كانت البنوك تعمل في كلتا المنطقتين فهي معرضة لعقاب الهيئات الأميركية إذا لم تمتثل للوائح. وقد زادت الغرامات على البنوك المخالفة للوائح لاسيما تلك التي تفرضها الولايات المتحدة.
وقضت محكمة أميركية العام الماضي بتغريم بنك اتش.اس.بي.سي هولدنجز 1.92 مليار دولار بسبب تراخي إجراءاته، بينما تسبب بنك نور الإسلامي في حرج لدبي عام 2011 حين تبين أن البنك يتعامل في مليارات الدولارات من إيرادات النفط الإيراني.وقال بيل فوكس مسؤول الجرائم المالية العالمية لدى بنك أوف أميركا ميريل لينش إن أكبر تغيير ملموس هو أن الأوامر صارت تأتي من وزارة العدل الأميركية وليس من الهيئات المصرفية فقط.وقال «قبل أربع أو خمس سنوات كان ذلك يعتبر وضعا استثنائيا جدا لكن أصبح من المتوقع اليوم أن تتحرك الهيئات الرقابية ومعها سلطات الادعاء أيضا».وتتجاوز هذه السلطة حدود الولايات المتحدة إذ يمكن أن تحرم واشنطن أي مؤسسة من تسوية المعاملات بالدولار الأميركي.ولا يمثل الامتثال للوائح الأميركية مزيدا من التكاليف على بنوك الشرق الأوسط وافريقيا فحسب بل قد يغير طبيعة الامتثال من كونه ضمانا لسلامة النظام المصرفي إلى جهد يهدف لتجنب اللوم. وقال نركيزيان من بنك الشارقة «إذا حدث شيء.. فالتحدي الرئيسي هو أن تثبت للأميركيين والغرب أو المسؤولين عن الأمر أنك كنت تتصرف وفق القواعد. وبهذه الطريقة إذا حدثت مشكلة بالرغم من كل جهودك ستتجنب اللوم».وفي الاطار ذاته، قال مسؤولون عن الرقابة المصرفية إن أكبر بنوك العالم اقتربت من تنفيذ قواعد رأس المال الجديدة بالكامل قبل خمس سنوات من الموعد النهائي في 2019. وقالت لجنة بازل التي تتألف من جهات رقابية في نحو 30 دولة إن العجز الإجمالي لدى أكبر 102 بنك في العالم وصل إلى 57.5 مليار يورو بحلول يونيو حزيران 2013 بعد أن كان 115 مليار يورو في نهاية 2012. ويجري تنفيذ قواعد اللجنة - التي تعرف بمعايير بازل 3 لرأس المال والتي جاءت كرد فعل عالمي على الأزمة المالية في 2007-2009 - على عدة مراحل ويتعين الامتثال لها بالكامل بحلول مطلع 2019. وتحت ضغط الأسواق والجهات الرقابية تحركت البنوك سريعا لتعزيز رأس المال لتبديد الشكوك بشأن قوتها.