في إطار أنشطة وفعاليات كرسي اليونسكو للحوار بين أتباع الديانات والثقافات، قدّم الأستاذ الدكتور مصطفى شريف الأستاذ الزائر محاضرة بعنوان «ثقافة السلم في البرامج الحوارية» يوم الاثنين الأول من أبريل 2014 م وذلك بالقاعة المستديرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة، وقد افتتح اللقاء الأستاذ الدكتور عبد الله بن محمد الرفاعي أستاذ كرسي اليونسكو للحوار بين أتباع الديانات والثقافات، وعميد كلية الإعلام والاتِّصال بالترحيب بالضيف وشكر الحضور.
والدكتور مصطفى مفكر جزائري، وأستاذ وباحث بجامعة الجزائر، ومدير ماستر في الحضارة الإسلاميَّة بجامعة كاتالونيا بإسبانيا، وله العديد من المؤلِّفات التي تخص الثقافة والتربية والحوار بين الحضارات أبرزها كتاب (الإسلام والحداثة) و(لقاء مع البابا) و(الدروس المحمدية).
وقد قدّم في كتبه تحليلاً لمستقبل العالم العربي، الذي يواجه، في رأيه ثلاثة تحدِّيات كبرى، وتتمثّل هذه التحدِّيات في: الحداثة الغربية في المجال الثقافي، والنظام الدولي الجديد في المجال السياسي، وعالم السوق في المجال الاقتصادي، وهذا ما يلخص وجهة نظر الباحث تجاه قضايا مصيرية لا بُدَّ من مواجهتها في العلاقة بين الإسلام والحداثة، والدين والسياسة، والعلاقة مع الغير، والتوازن بين الثوابت والمتغيِّرات.
تخصص وأبدع في حوار الحضارات، وقد تحدث عن الإسلام مع البابا يوحنا بولس الثاني وبينيدكتوس السادس عشر. ويسعى الدكتور لتقريب وجهات النظر بين الإسلام والمسيحية، لتجاوز لحظة صدام الحضارات، وبناء مجتمع إنساني يقوم على التعايش.
وقد بدأ مشروعه الفكري في سبعينيات القرن العشرين، حينما شارك في الندوة الدوليَّة الأولى حول الإسلام والمسيحية، التي جرت فعالياتها في قرطبة بإسبانيا سنة 1975، وجرى بينه وبين البابا، بينيدكتوس السادس عشر لقاء في 11 نوفمبر 2006م في اجتماع ثنائي. ومما قال له البابا: «لقد أثّرت فيّ تأثيرًا بالغًا رسالتكم وكتابكم الذي تعلمت منه أشياء كثيرة، لتعلم أن هذا اللقاء يريد أن يكون علامة قوية على تعلقي الشديد بالحوار بين الديانات».
الجدير بالذكر أن الدكتور حصل على عدَّة جوائز؛ حيث حصل على جائزة اليونسكو-الشارقة للثقافة العربيَّة 2012 وجائزة دوتشي الإيطالية من أجل ثقافة السلم، 2013م، وفي مارس 2013 تسلّم الدكتور مصطفى جائزة (ثقافة السلم) واستقبله البابا فرنسيس في الفاتيكان في إطار حوار الديانات.
وقد بدأ الدكتور مصطفى محاضرته بالحديث عن ثقافة السلم وعن دور التربية في الحوار، مؤكِّدًا على أن العلوم والمعارف تتجاوز كل الحدود ولا تنحصر في زمان ومكان معينين، وكل دولة لا تمانع من الانفتاح على تجارب الآخرين ولغاتهم برؤية نقدية ومنطقية سليمة.
وأن التكامل بين الطابع الوطني والعالمي وبين القيم الخاصَّة والمشتركة يهدف إلى تحقيق غاية نبيلة وهي التعايش السلمي وأن اليونسكو أسست نظام المدارس المشتركة المبنية على التسامح والتفاهم بين أوساط الشباب، مما يعزِّز من نشر ثقافة السلم. وذلك لأهداف متنوعة أبرزها ترقية التَّعليم وتعليم حوار الثقافات وهذا ما ركز عليه المختصون.
والخبراء يتفقون على وضع أربعة محاور رئيسة عن طريق البرامج التربويَّة وهي: كسب المعرفة عن طريق الحوار، وممارسة الحوار فعليًّا وتطبيق الأفكار العقلانية في حياتنا اليومية، وثقافة التعاون والتبادل ومعرفة الأخلاقيات من خلال الحوار، وتعليم الشباب التصرف المثالي وروح المسؤولية والتمسُّك بالمنفعة العامَّة والوطنيَّة.
ثم تحدث الدكتور عن دور النظام التربوي وقال: «لا تتحقق أهدافة النبيلة إذا هُمشت ثقافة الحوار وتعليم الجدل وبناء البحث والمعرفة، ويجب تعميم المصطلحات والمفاهيم المرتبطة بالقيم المشتركة، والانسجام بين الذاكرة الحية للتراث مع قيم الوطن ومصلحته وأداء الواجبات لمواجهة التحدِّيات وخلق مجتمع واعٍ، مع التركيز على القيم الداخليَّة والمتغيِّرات والمتحولات.
وأردف قائلاً: «كل الشعوب تريد العيش بسلام ولن يتحقَّق ذلك إلا بتعليم وتبني ثقافة الحوار بالإضافة إلى تعليم تاريخنا وظروفنا وتعلم ظروف الآخرين والبنية النفسية لهم وخلفياتهم الفكرية والأسباب الحقيقية الناجمة عن مهاجمتهم لنا. وإن الجهل ورفض الاستماع للآخرين سبب للمشكلات بين العالم والمجتمعات؛ لم تركز مناهج التَّعليم حول العالم كما يجب على قوانين ثقافة الحوار والاستماع للآخرين والتبادل الثقافي معهم، وهذا ينافي ما نعيش فيه من عصر التقدم والمعلومات.
حتى إن المنظمات لم تركز على هوية وثقافة المجتمعات الأخرى في كلِّ البرامج التربويَّة ولم تقدم صورة الآخرين كما يجب؛ مثلاً: هل يتكلَّم الغرب عن الإسلام كما يجب باحترام وموضوعية كما يفضِّلون أن نتحدث نحن عنهم؟
وحتى نبني حضارة جديدة مشتركة لا بد من (حوار) مع التركيز على إنسانيَّة تاريخنا الذي احترمنا فيه الآخر، واستخدمنا طرقًا علميَّة منظمة جعلت العالم يعرفنا، وينبغي التركيز اليوم على (المناهج التربويَّة) وتأسيسها على المنهج العالمي للحوار.
وأكَّد الدكتور على أننا اليوم نعيش حربًا إعلاميَّة وجهت ضدنا، وهي حرب تركز على تناقضاتنا مما يلزمنا لمّ الشمل الداخلي، والنقد الذاتي؛ كل الثقافات زالت وذابت في النموذج الرأسمالي الليبرالي، ولم يبق سوى الثقافة الإسلاميَّة وهي الثقافة المقاومة الوحيدة، لكن مقاومتها تتَّصف بالسلبية. ولن تكون المقاومة إيجابيَّة إلا من خلال (تغيير موازين القوة) وتغيير المسار مرتبط بثلاثة شروط: الإبداع العلمي والإنتاج الفكري المتميّز، وبدونهما يصعب التَّحدِّي وبناء مؤسسات الإعلام الذي تخاطب عقول الناس، فمن يكسب الإعلام الدولي يكسب الرأي العام الدولي. ومن يكسب الرأي العام الدولي، هو من يكسب المعركة الإعلامية، وعلينا ألا نخاف من الحوار فقضيتنا عادلة ونحن أصحاب التعايش وقد علَّمنا العالم كلّّه معنى التعايش السلمي ونحن في أوج عزنا وفي أوج حضارتنا وقوتنا. وكذلك الحكم الراشد وإقامة دولة القانون والعدل، فبالقوة والعلم والإعلام والحكم الراشد والقانون العادل يتغيَّر ميزان القوى.
ثم تحدث عن المبادرات السعوديَّة في هذا المجال: وأن الغرب قبل الشراكة مع المملكة وفق اشتراطات، والمملكة قبلت الشراكة وفق اشتراطها هي وخصوصًا فيما يتعلّق بثلاثة أمور أولها اقتصاديات السوق وعدم القبول ببديل عن الرأسماليَّة والليبرالية وعلينا أن نكون أصدقاء الغرب اقتصاديًا، وفي هذه الحالة علينا أن نقدم شروطنًا وقيمنا، ولقد فرضت المملكة شروطها.
وكذلك الخضوع لنظام السياسة الغربي ونظامها القائم على الفصل بين الدين والسياسة. والمملكة قالت: إننا مرتبطون بالمساجد ولن نتخلى عنها ونحن لا نوظف الدين لأغراض السياسة والدين مسئولية الدَّولة والعلمانية بمفهومها الغربي غريبة عنا، ولا ينبغي أن يوظف الدين في السياسة عادة في الصراع على السلطة. وأخيرًا اشترطت التركيز على الفرد والفردانية والعناية بحقوق الإنسان والمرأة والحديث حول العنف ضدها، فأكَّدت المملكة على أن الإسلام وضع الحدود للتعامل مع تلك القضايا. وأنكم تشترطون الحصول على حقوق الإنسان الفرد دون النظر للجماعة، بينما نحن عندنا الفرد قيمته ليست بأهم من قيمة الجماعة وهو في الحقِّيقة جزء منها.
عندما نتحاور مع غير المسلم فعلينا أن نشرح له أفكارنا من وجهة نظرنا نحن والمنبثقة من نظرتنا الإسلاميَّة وعقيدتنا الدينيَّة لا أن يفرض هو نظرته ورأيه. وعند الحوار معهم لا بد منه حيث نوضح لهم خصوصيتنا.
نحن ليس لدينا مشكلة في القيم المشتركة بيننا ولكن عندنا حق عندما نركز على القيم الوطنيَّة والخصوصية والثوابت والوعي بأهمية تعدد اللغات لمد جسور التعايش.
المنظمات التربويَّة أمام تحدِّيات صعبة، وهناك نقطة جوهرية وسؤال حاسم: هل المنظمات التربويَّة في خدمة المستعمر والشركات الاقتصاديَّة الكبرى وتلبي مطالب هذا القطاع وتسوق له وتنسى الأمور الأخرى؟
ونحن لا نخاف من الحوار فعندنا وجهة نظرنا، ولدينا قيم وثوابت ومشروع مجتمع قوي، ونحن مع التحولات والتغيّرات شريطة ألا تبعدنا عن منطقة الوسط ولا تزعزعنا عن الثوابت.
كلّنا نخاف من التنازل، لكننا نبحث عن الحلول الوسط، نحن نملك ثوابت ولن نتنازل عنها لكن في أمور دنيانا قد نصل لقيم مشتركة، وهذا ممكن وقد قدمنا عبر القرون بعض التنازلات لأجل التوازن والانسجام.
إن النموذج الواحد غير صالح لكل الشعوب. والتعددية وقبولها شرط للتعايش السلمي، والإسلام بعدله وشموليته قادر على المجابهة والوقوف في وجه التحدِّيات، وهذا يتطلب القضاء على مشكلاتنا المحليَّة، ولم شملنا الداخلي فالمسئولية مشتركة، فعلينا أن نعتني بالمؤسسات التربويَّة والمؤسسات الإعلاميَّة والمؤسسات الدينية.
هذا واستمع الحاضرون ردود الدكتور مصطفى على الأسئلة وتعليقه على المداخلات، التي تلت المحاضرة.
وفي ختام اللقاء شكر الدكتور مصطفى شريف جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة، والدكتور عبد الله الرفاعي أستاذ الكرسي وعميد كلية الإعلام والاتِّصال، وختم الدكتور أحمد بن هلال طلبه المنسق العلمي للكرسي اللقاء بشكر الدكتور مصطفى شريف والحضور من طلبة وطالبات الدكتوراه في قسم الإعلام، كما قدّم شكرًا خاصًا لسعادة الأستاذ الدكتور محمد التويجري عميد كلية العلوم الاجتماعيَّة والدكتور أحمد الرومي رئيس قسم أصول التربية وطلاب شعبة التربية الإسلاميَّة على تفاعلهم في إثراء برامج وفعاليات الكرسي، كما شكر الأستاذة هديل اليحيى والأستاذ يوسف الهاجري لتعاونهما الفعَّال.