بدعوة من وزارة الخارجية، وبحضور صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن عبد الله بن عبد العزيز نائب وزير الخارجية، ومعالي الدكتور نزار بن عبيد مدني وزير الدولة للشؤون الخارجية، وصاحب السمو الأمير محمد بن سعود بن خالد وكيل وزارة الخارجية لشؤون المعلومات والتقنية، ألقى معالي وزير العدل الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى محاضرة عن السياسة القضائية في المملكة، وذلك بحضور مسؤولي وموظفي وزارة الخارجية، تحدث خلالها معاليه عن أن السياسة القضائية في المملكة تقوم في مادتها الموضوعية المتعلقة بمنطوق الحكم القضائي على تحكيم الشريعة الإسلامية، وأن هذه مسلمة دستورية تمثل مرتكز كيان الدولة وأساسه الثابت.
صحيفة «الجزيرة» والتي شاركت في تغطية جوانب هذا اللقاء ولما حوته المحاضرة من مضامين قانونية هامة ومن منطلق دورها الإعلامي يسعدها أن تنقل أهم النقاط والمحاور التي حملتها المحاضرة وورقة عملها: حيث بدأ معالي وزير العدل لقاءه بالتأكيد على أن المملكة تأخذ بالمأثور فيما يتعلق بالجانب الإجرائي وذلك من خلال «الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها «، ولذلك أخذت من التجارب العالمية في السبعينات الهجرية في نظام: «تنظيم الأعمال الإدارية في الدوائر الشرعية»، ونظام: «تركيز مسؤوليات القضاء الشرعي»، وفيهما قواعد عديدة في إدارة شؤون المحاكم والقضاء مستفادة من التجارب العصرية الحديثة، وكذلك نظام القضاء الصادر قبل أربعين عاماً نجدُه يحتوي على العديد من المواد المأخوذة من النظريات العصرية في أنظمة السلطة القضائية المعمول بها لدى العديد من الدول.
ويحصل أحياناً اللبس بين الموضوع والإجراء، وبسببه حصل تحفظ البعض على نظام المرافعات الشرعية قبل خمس وعشرين عاماً انتهى إلى إيقافه في حينه بعد فترة وجيزة من صدوره، ثم بعد عقد ونيف من الزمن صدر بحالته المتحفظ عليها ثم قبله بعد ذلك الجميع، ما السبب في هذا؟ السبب هو أن المتحفظ اطمأن بعد تكامل أدوات التصور الصحيح إلى أن المواد المستفادة فيه من التجارب العالمية إنما هي مواد إجرائية بحتة لا تمت للمادة الموضوعية مناط الحكم القضائي بصلة مطلقاً، وإنما هي في الواقع خادمة لها ووسيلة للوصول إليها، الكثير والعديد من الجوانب الإدارية والإجرائية في الشأن القضائي وفي غير القضائي مستفادة من الغير، كما أن غيرنا من جانب آخر استفاد منا في بعض المواد الموضوعية المتعلقة بمنطوق الحكم القضائي وخاصة في المادة المدنية.
ثم تطرق معالي الوزير إلى الحديث عمّا أسماه بالمبادئ القضائية والسوابق القضائية وكذلك تدوين الأحكام القضائية بنوعيه الأول: المتعلق بنشر الأحكام المجردة، والثاني: المتعلق بالتدوين التشريعي، وقال: إن الأول تختص به وزارة العدل، أما الثاني فلا تختص به الوزارة بل هو للجهة التشريعية.
وقال الدكتور العيسى: إن السوابق القضائية قسمان: قسم ملزم والتي تعكس في حقيقتها ومآلها وحجيتها معنى المبدأ القضائي وهي التي أقرتها المحكمة العليا، والقسم الثاني: سابقة غير ملزمة وهي التي انتهت بحكم غير مطعون عليه أمام المحكمة الأعلى درجة.
وأضاف: للمبادئ والسوابق الملزمة مسوغات ترشح القول بوجاهتها، وكذلك للتقنين أو التدوين التشريعي مسوغاته، لكن الأول كما هو معلوم يخرج من محضن القضاء وبقناعة القضاء ويأتي كما هو واضح بعد مخاض قضائي مع سهولة تعديله، بعكس الثاني.
وأردف الوزير قائلاً: فيما يتعلق بنشر الأحكام القضائية أنهينا حالياً العديد من المُجلدات وسترى النور قريباً إن شاء الله، مع العلم بأن لدى بعض الدول سوابق لكنها في جميع الأحوال لا تأخذ هذا الاسم إلا في حال الإلزام، ونحن عندما نقول هذا نرجح التوسع في مفهوم السوابق، وهذا يفيد فالسابقة غير الملزمة يُستأنس بها في تعضيد الحكم، وتنتهي غالباً إلى صيرورتها إلى سابقة ملزمة، طبعاً بعد تكامل أدوات الإلزام.
وحول ما سُئل عنه الوزير خارجياً بخصوص عدم وجود منشور لقضاء المملكة، لا مبادئ، ولا سوابق، ولا أحكام، ولا تقنين، وأنه لا يمكن أن يُقرأ القضاء السعودي ولا يُتنبأ بما يصدر عنه لاحقاً ولا يمكن من خلال هذا الفراغ الجسيم أن يُقَدِّم المحامي أو الخبير القانوني لأي مؤسسة وخاصة المؤسسات العالمية أي رأي حول قضاء المملكة في أي قضية حاصلة بالفعل أو متوقعة.
حول هذا قال د.العيسى: نعم سُئلنا عن هذا، ولحُسن الحظ أن السائل كان من دولة دستورها غير مدون، فسألته ماذا عن دستور بلادك هل هو مكتوب؟ قال: لا، قلت له بعد ذلك:كل ما تقوله عن قضائنا يقال تماماً عن دستورك، فقال: إنه في الضمير الوطني لبلادي وهو أسمى من أن يكتب فهو محفور في الضمير لا في الورق، فقلت له: إن قضاءنا يأتي في سياق الدستور وهو كذلك في الضمير الوطني، وليس هناك مبدأ مستقر ولا سابقة ملزمة إلا وهي في وجدان كل قاضٍ وكل محامٍ وكل حقوقي، وقلت له وهو محامٍ: يمكن لك ولغيرك من المحامين التحالف مع أي مكتب محاماة سعودي وتطلب خبرته في أي قضية تعرض عليك، وأكدت له في النهاية أن هذا التنظير المتعلق بعدم التدوين لكون الدستور محفوراً في الضمير الوطني لم يعد يصلح اليوم، وأصبح من الضروري الأخذ بمفهوم التدوين، وهو ما شرعنا فيه، ولذلك من المفيد تدوين الدستور بالنسبة لكم، فأجاب بأن هناك أعرافاً دستورية مدونة فقلت له: نعم، لكن أصل الدستور غير مكتوب، وما من دولة دستورها غير مكتوب إلا ولها أعراف دستورية مكتوبة، ويكفي كتابة سوابقها القضائية، وما من دولة دستورها مكتوب إلا ولها أعراف دستورية غير مكتوبة، وكذلك في قضائنا محل نقاشنا، يوجد سوابق ومبادئ مدونة ومتداولة عن طريق خطابات الإعلام بها وهي التعاميم، ويتم الإعلام بها عندما يكون هناك مقتض لذلك، وإلا فالأصل هو تداول الحكم والمبدأ والسابقة في أروقة القضاء، فهناك قضايا عدة في المادة المدنية والجنائية والأحوال الشخصية معروفة سوابقها القضائية عند عموم المختصين، ومع ذلك فأنا أؤكد أهمية كتابتها ونشرها فاليوم ليس كالأمس، وفلسفة الحفر في الضمير وعدم الحفر في الضمير انتهت، ولم تكتب السنة النبوية وهي أحد مصدري الدستور لدينا في زمن الرعيل الأول لاعتبارات عديدة، وكانت محفوظة في صدور الحفاظ، ومع ذلك اضطرت الأمة إلى تدوينها، بل تمت كتابة القرآن في زمن النبوة بالرغم من كونه راسخا ومحفورا في وجدان المسلمين، ولا أعتقد أن سبب عدم تدوين المبادئ والسوابق القضائية لدينا إلا لعدم الحاجة الملحة لها في وقت سابق، وكانت بالفعل محفورة في ضميرنا القضائي والحقوقي، وسهل جداً استدعاؤها، نعم مرت سنين طويلة دون أن يطفو على سطح الوسط الحقوقي ما يُشير إلى الحاجة الملحة إلى هذا التدوين لكن الآن تأكدت الحاجة.
أما نشر الأحكام مجردة دون أن تكون ذات سوابق ملزمة أو دون نشر المبادئ المستخلصة منها بحكم المحكمة الأعلى، سواء كانت المحكمة العليا حالياً، أو سلفها وهي الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى سابقاً، أو سلفها وهي الهيئة القضائية العليا وكذلك ما سبقها من جهات قضائية ذات اختصاص تدقيقي أعلى في زمن التأسيس، أو محكمة التمييز بحسب الأحوال، المهم أن هذا النشر المجرد للأحكام لا يفيد إلا في شيء واحد وهو الإفادة من سابقاتها غير الملزمة للاستئناس فقط، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تحقيق مبدأ الشفافية بنشر الأحكام القضائية، ولذلك الأفضل نشر مجموعة الأحكام والمبادئ معاً، وهذا هو المطلب الأمثل بدون شك، أو الأخيرة وحدها وهي المبادئ، يتضح من هذا أنه من غير المناسب أبداً نشر أحكام مجردة، دون إشعار المستفيد أنها نهائية بحكم بات، والبعض الآخر يعلق على ذلك بأنه ما لم يُستخلص المبدأ منها فإنها قد تُحدث نوعاً من التضارب في مفهوم المتلقي فقد يتصور أن هذا الحكم النهائي يمثل مبدأً معيناً، ويجد نظيره في تصوره مخالفاً له في حكم نهائي ثان ولا يحسم الموضوع إلا نشر المبادئ معها.
وحول كليات العدالة التي يتفق عليها الجميع قال الوزير: إن هناك طرحاً للقانونيين من جانب آخر لا نؤيده نحن الشرعيين يقول: إن في عدم الأخذ بقواعد القانون المستقرة خلق نوع من الواقعية والمنطقية لأن هذا يؤثّر بشكل واضح على ما يسمى باليقين الشرعي، وما يسمى عندهم باليقين القانوني.
وحول استطلاع بشأن التطرف والوسطية قال الوزير لا أحب في أمثال هذه المقارنات إلا أن أعبر بالتشدد والوسطية، وقال: إن التطرف له وادٍ آخر، لا يدخل معنا في إطار ما سنقوله في المقارنة.
وأشار إلى أن الفارق بينهما هو الفارق بين الكمالية والواقعية بحسب أطروحات الثقافة الإسلامية في مصطلحاتها المعاصرة.
وفي الواقعية يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «سددوا وقاربوا»، وفي الكمالية يقول عليه الصلاة والسلام: «لن يشاد الدينَ أحدٌ إلا غلبه»، ولا يعني هذا أننا نسوغ المنكرات لأن المطالبة بتركها جميعاً طلب للكمال، فما قال بهذا أحد، ومن قال لن يشاد الدين أحد إلا غلبه وهو نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم نهى عن ارتياد جميع المنكرات والمخالفات بل وحتى الوقوع في الشبهات، لكننا نقصد بالكمالية في أدبيات الثقافة الإسلامية في الطرح المعاصر الملائم لتنوع المصطلح ومقاربته للفهم هو التنطع في الدين، طلباً لكمال مطلق في ذهن صاحبه، لا يُسدد فيه ويقارب بل يشاد الدين، هذا مقصودنا تماماً.
ثم الفارق أيضاً بين التشدد والوسطية هو الفارق بين جُمود النص ومرونته في السياق الصحيح والحق الذي يتحقق به كون شريعة الله شريعة الزمان والمكان لأنها دين خاتم، لا في سياق الأهواء وتسويغ البدع والضلالات والمنكرات، ونقصد بالمرونة في السياق الصحيح تغير الفتوى والحكم بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والعوائد والنيات وذلك بضوابط التغيير الشرعية لا بفعل الهوى والتشهي.
ولا يُحسن فهم ذلك سوى أهل العلم الراسخين، والفارق بين التشدد والوسطية هو الفارق بين حرفية النص وأخذه وحده دون سواه من النصوص ذات الصلة وبين مقصد النص وجمع النصوص على صعيد واحد ثم استخلاص الحكم الشرعي منها، والفارق بين التشدد والوسطية هو الفارق بين فقه المسألة الواحدة أو فوضى التداخل، وبين فقه الأولويات أو فقه الموازنات، والفارق بين التشدد والوسطية هو الفارق بين استصحاب قواعد المصالح والمفاسد وبين غيابها، نقصد مثلاً قولنا: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وارتكاب أخف المفسدتين لدفع أكبرهما، وتحمل أدنى المفسدتين لا تقاء أكبرهما، وانغمار المفسدة في اجتماع المصالح وتكاثرها.
وفي هذا الموضوع تثار كثيراً مسألة سد الذرائع وهي على ثلاثة أقسام: ذرائع تفضي للمفسدة غالباً فهذه تسد إجماعاً، وذريعة تفضي للمفسدة نادراً فهذه لا تعتبر إجماعاً، وذريعة تفضي للمفسدة احتمالاً غير غالب ولا نادر أي بينهما أي ربما تحصل في أي وقت دون تحديد نسبة معينة فهذه حصل فيها خلاف بين أهل العلم والصحيح أن الحاكم الشرعي يقدر فيها ما يراه بحسب كل واقعة وبحسب كل ظرف ما يراه محققاً للمصلحة ويصعب وضع معيار دقيق فيها، وإلا كما سبق معنا أضررنا باليقين الشرعي بحسب كل واقعة.
كما يحصل هنا الخلطُ بين معيار الاحتياطِ في حقِّ الأفراد وبين معيار الاحتياط في حقِّ الدولة، كثيراً ما يكون الاحتياط في حق الدولة ألا تحتاط احتياطك الفردي، والبعض ينزل احتياط الأفراد على احتياط الدول، ولذلك تجد البعض يخطئ في إنكاره ونصائحه بأسباب هذا اللبس.
وفي شأن تساؤل البعض عن دستور ونظام دولة حول موقف غير المسلم من تحكيم الشريعة الإسلامية على أرض المملكة والإشكالات التي يثيرها البعض في هذا الخصوص. قال معالي وزير العدل: قضاؤنا الشرعي يُكيف للغير على أنه دستور ونظام دولة، لا إلزام لغير المسلم بأحكام دين لا يعتنقه، فكل دولة لها دستور ونظام يجب على الجميع التزامه ما داموا على أراضيها، وقد ارتضينا أن يكون دين الإسلام هو دستورنا فغير المسلم يتعامل مع قضاء المملكة الشرعي على أنه دستور ونظام دولة، فهل من حق من يدخل دولة أخرى أن يعترض على دستورها ونظامها على أساس أنه مثلاً مستمد من فلسفة وديانة الإغريق أو الرومان مثلاً، ثم يقول: لا يُطبق عليَّ لأني لا أدين بديانتهم أو فلسفتهم، طبعاً لا يقبل منه ما دام دخل تلك الديار بشروط الدخول المتعارف عليها أو المتفق عليها سلفاً وهو التزامه بقانون الدولة وقضائها، نقول هذا لمجرد تقريب الفهم، وكلنا نعتقد أن دين الإسلام وحي من الله.
وحول سؤال عن مشروع تطوير القضاء قال معاليه:إن لدينا محاور عدة للتطوير وهي تتركز على الكوادر العاملة في مرفق العدالة، وعلى توفير البيئة العدلية، وعلى نشر الثقافة العدلية.
ففي الأول حققنا منجزات كبيرة في التعيينات فقد زاد عدد القضاة خلال أربع سنوات 55 % وزاد عدد كتاب العدل 91 % وتم شغل كافة الوظائف الإدارية ما عدا ما يتطلب البقاء على شغوره نظراً لمتطلبات تحريك السلم الوظيفي وهي تقدر بحوالي 12 % إلى 13 % في نسبتها النموذجية إدارياً، ونسبة النمو في أعداد موظفي الوزارة 60 %، ونسبة النمو في أعداد المحامين 99 %، أما التدريب فنسبة النمو في أعداد القضاة الذين تم تدريبهم 4668 % وهو رقم قياسي كبير جداً، ونسبة النمو في أعداد الموظفين الذين تم تدريبهم 1073 %، ويلاحظ إعطاء القاضي المزيد من عمليات التدريب نظراً لجسامة عمله؛ ولأن صناعة القاضي هي مدار التطوير حقيقة فالتطوير يبدأ به ويمر عليه وينتهي إليه.
أما ما يتعلق بالتقنية فلدينا مركز معلومات منافس على المستوى العالمي بشهادات موثقة لدينا، وقدمنا خدمات حاسوبية للقضاء ببرمجيات عالية، ولدينا ربط إلكتروني مع عدد من الجهات الحكومية منها وزارة الخارجية.
وقد استطعنا اختزال الزمان والمكان بهذه التقنية، ولدى الوزارة خطة للتطوير ولها جدول زمني وتم الرفع عنها، وأحطنا مجلس الشورى بها، وهي تسير على أكمل وجه، وليس للتطوير نهاية وإلا راوحنا مكاننا.
وبالنسبة للمباني فقد عانينا بشدة منها، وبخاصة في المدن والمحافظات الكبرى نظراً لشح الأراضي، وحاولنا الشراء فوجدنا مبلغ الشراء يساوي تقريباً مبلغ البناء حتى يسر الله وحصل انفراج لبعضها وتم طرح ترسية العديد من المشاريع وتم الإعلان عن ذلك، وقد رفعنا في حينه عن مشكلتنا مع الأراضي.
وحول سؤال يتعلق بما أثير من أسئلة خارجية أثناء جولات الوزير في عدد من البلدان الغربية فيما يتعلق بما قد يقال من عدم تفهم الغرب لمسألة تطبيق الشريعة الإسلامية في الأحكام القضائية وبمعنى آخر كيف يمكن أن أعيدهم للشريعة الإسلامية لتلمس مرجعيتنا الشرعية عموماً أو القضائية خصوصاً بينما يقولون لنا أي إسلام تريدون وله عشرات التفسيرات فكيف يمكن الإحالة على متعدد المفاهيم والتصورات والآراء والاجتهادات؟.
قال الوزير في هذا: إننا قلنا لهم كل ما تقولونه عن الإسلام في هذا يقال عن النظريات والقواعد والمفاهيم الدستورية والقانونية، فلنا أن نسألكم فأنتم تأخذون من تلك النظريات والمفاهيم ما ترونه أقرب للصواب وأقرب لتحقيق العدل من وجهة نظركم، ونحن نتعامل مع نصوص الشريعة كذلك بحيث نختار التفسير الأقرب لمقصد المشرع، وعندما يتم اختيار الرأي الراجح والوجهة الحق فهو ما نعتقده الإسلام الصحيح، نعم للنصوص العديد من التفسيرات كما للنظريات والمبادئ القانونية، فلماذا يرد هذا علينا، ولا يرد على تلكم النظريات والمفاهيم الدستورية والقانونية، طبعاً هم يقولون: إن ما نختاره مكتوب ومعلن في سوابق ومبادئ قضائية، أو من الجانب الآخر تقنينات بحسب المدرسة اللاتينية فضلاً عن الدستور المكتوب عند من يدونه، ونقول لهم: إن سوابقنا القضائية ومبادئنا القضائية موجودة منها المشهر ومنها المترسخ في الوجدان القضائي والحقوقي والمختص على دراية بها، فضلاً عن أنظمة عديدة مستمدة من الشريعة الإسلامية وفق الاتجاه الأرجح الذي نتحدث عنه وهي معلنة ومتداولة ويحكم بها القضاء الشرعي، سواء كانت تنطوي على استمداد نصي شرعي واضح، أو قاعدة شرعية عامة، أو مصالح مرسلة فيما يسمى بالمساحة المفتوحة أو منطقة العفو في الشريعة الإسلامية، حيث تُبنى المعاملات على الإباحة والحل والجواز وهي المتمثلة تحديداً فيما يسمى بالقانون المدني والتجاري.
وفي موضوع قيادة المرأة للمركبة قال الشيخ العيسى: تكلمنا عن هذا مع المحاورين لنا في الخارج حيث تحدثوا عن ذلك من الناحية العدلية قالوا: هل من العدالة أن تمنع من قيادة المركبة لا لشيء إلا لأنها امرأة ومعرضة للخطر فقط لكونها تقود السيارة بينما لا خطر عليها في كافة تصرفاتها الفردية الأخرى إلى آخر كلامهم.
وقلنا في الإجابة:إنه قبل كل شيء يجب احترام إرادة الغالبية في هذا من منطلق القناعة بذلك أياً كان سببها، ومتى ما أرادت هذه الغالبية التحول عن هذه القناعة ليقين تام بتغيير حالة الامتناع بزوال سببه فإن النص الشرعي والنظامي لا يمنع من قيادة المرأة للمركبة من حيث الأصل والمبدأ، لكن يتم طرح المسألة من منطلق سد الذرائع التي قد يطرحها البعض بتوسع في هذا الشأن، وقلنا لهم في سياق طرائف النقاش والأريحية التي تلطف أجواء الحوار بالطرفة ذات المغزى إن عموم الدول لديهم فئتان لا تقود المركبات غالباً بل يقاد بهم وهم الزعماء والوجهاء، ونحن نزيد عليهم وفي نفس مصافهم النساء.