عبر الداعية الشيخ عبد الله بن محمد الغميجان عن أسفه لاندفاع الناس وراء الدعايات الكاذبة، وانسياقهم وراء التزكيات المرسلة بلا خطام ولا زمام ولا معيار، وانخداعهم بكثرة المتجمهرين عند الراقي، وبالتالي لا تستغرب إغراق الناس بالرقى المخترعة التي يسوق لها الخرافيون والمبتدعة، ويروج لها أتباع الفرق المنحرفة عن جادة السلف الصالح، ويمارس بعضها بعض الرقاة من أهل السنة جهلا منهم أو اتباعاً للهوى.
وقال فضيلته في حديث لـ«الجزيرة» يخطئ كثير من الناس حين يخنقون أنفسهم في زاوية الضعف، وخانة المستهدف، مما يجعلهم عرضة للأوهام وتصديق الحكاوي حول الجن والسحر والعين، فأكثر ما يتداول بين الناس في مجالسهم فيه من الكذب والغلط شيء كثير، ويخطئون مرة أخرى حين يكون تركيزهم على المفقود لا على الموجود، وحين يحدِّثُون أنفسَهم بما يكرهون لا بما يحبون، وحين تدور أحاديثهم حول ما يمر بهم من نقص أو ضعف أو همّ، وحين يتوقعون السوء لأنفسهم ولأهليهم وأولادهم، مما هو خلاف إحسان الظن بالله تعالى، وخلاف ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من أن أفضل العبادة انتظار الفرج، ويخطئون أيضاً بتسخطهم وشكاياتهم للمخلوقين من آلامهم ومشكلاتهم، وبجزعهم مما يصيبهم من الضر، فيحرمون أنفسهم أجر الصابرين على أقدار الله المؤلمة، ويتجاهلون أن التشكي والتسخط لا يحل مشكلة، ولا يذهب هماًّ، ولا يجلو حزناً، ولا يشفي من مرض، بل يزيد الأمر سوءاً، ويعرضهم لخسارة ما ادخر الله لعباده الصابرين الراضين عن الله تعالى {الَّذِينَ إذا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}.
وأكد فضيلته أن كثيراَ من الناس يخنقون أنفسهم في شرنقة الكسل، ويقيدون أنفسهم بكلمات: (لا أستطيع، لا أقدر، هذا مستحيل، أو غير ممكن) وهذه كلها حيل نفسية يعفي بها المريض نفسه من تحمل المسؤولية فيقع في شرٍّ مما هرب منه، بينما أناس آخرون يخاف من الجن والسحرة والعائنين أكثر مما يخاف من الله تعالى، والله جل وعلا يقول: (أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين) ويقول تعالى ذكره: (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين) ويقول سبحانه: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} ويقول جل ذكره: {إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ} ويقول تبارك وتعالى: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }.
ورأى الشيخ الغميجان أن كثيرا من الناس لا يفرق بين من يمارس الرقية الشرعية على حقيقتها ومن يمارس الدجل والشعوذة، أو يخلط الرقية بأمور ليست منها، فكلما ذكر لهم معالج ذهبوا إليه مسرعين يعرضون أنفسهم عليه، وأن غالب الناس يذهبون إلى الراقي دون أن يتثبتوا من أهليته للرقية؛ تدينا ووعيا ومهجية، فيذهبون إلى كل من هب ودب وكل من ادعى أنه يرقي ولو كان من أجهل الناس وأحقرهم، وأصحاب الأحوال الغريبة والتقليعات المستهجنة.
وواصل القول: إن كثيرا من الناس يتهافتون على شراء المياه والزيوت والعسل المقروء عليه وتبقى لديهم مدة طويلة، والأولى أن يشرب الماء بعد النفث فيه مباشرة، ولا يخزن لأن الماء والزيت مع النفخ فيه أو التفل تتغير خواصه إذا طالت مدة بقائه بعد النفخ، وربما يكون ضاراً إذا نفخ فيه من هو مصاب بمرض مُعْدٍ، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينفث في يديه عند نومه بـ: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس فيمسح بهما وجهه وما استطاع من جسده صلوات الله وسلامه عليه.
وفي ذات السياق، استشهد فضيلته بما قاله معالي الشيخ صالح الفوزان: الأولى أن يقرأ المسلم على أخيه بأن ينفث على جسمه بعدما يقرأ الآيات أو على موضع الألم منه وهذه هي الرقية الشرعية وإن قرأ له في ماء وشربه فكذلك أيضا، وبما قاله معالي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ: المقصود أن إيصال الرقية والقراءة بالنفخ (النَّفَس) أو النفخ في الماء ثم يُسقاه المريض أو يصب عليه، فهذا لا بأس به؛ لفعل السلف له، ولا ينكر؛ لأنه له أصلاً في السنة، ولكن كلما كانت الرقية مباشرة بدون وسائط كثيرة كانت أفضل، لهذا قال الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - ورفع درجته في الجنة: كلما قرب الوقت كان أنفع، وكلما كانت الوسائط أقل كان أنفع.
وأبان الشيخ الغميجان أن المبالغات من بعض الرقاة في التحذير من العين والسحر والحديث عن انتشارها وتنوع أساليب عملها وحكاية القصص والوقائع لإضفاء المصداقية على كلامهم وأنها قد تأتي من أقرب الناس إلى الإنسان، أتت بأثر سلبي على الناس؛ حيث تحولت حياة بعض الناس إلى حالة من الشك في كل شيء والارتياب من كل أحد بل واتهام الأقارب والمعارف بالكيد لهم حتى حدث التهاجر والقطيعة بينهم ونشبت بسبب ذلك من الخلافات العائلية ما وصل إلى حد الطلاق وتمزيق الأسرة، ومبناها في الأساس على أوهام وظنون من الرقاة والمرضى معاً.
ولفت فضيلته إلى بعض من أخطاء بعض الرقاة ومنها الرقية الجماعية، مع ضعف نفعها للمرضى، وضررها عليهم لأنها تزيد من حدة الوهم والوسوسة، وتؤكد للمريض ما كان يشك فيه قبل الرقية، فهو قبل الرقية الجماعية جاء وهو يشك بالإصابة بالعين أو السحر ولو قرئ عليه لوحده وقيل له لا بأس عليك - إن شاء الله - لخرج لا يشتكي شيئا، لكنه بعد ما رأى في الرقية الجماعية من الأحوال وما سمع من تشخيصات الراقي صار لديه يقين أنه مصاب فعلاً بالعين أو السحر أو المس أو بها جميعا، كما أن كثيرا من الرقاة يضع نفسه في مكانةٍ لا يدانيها فيه أحد فتراه يتخبط في التشخيص، ويعزو كل شيء للمس والعين والسحر، وربما زهَّد في الطب وشكك في الأطباء، وضخم الأخطاء الطبية وعمّمها، وبعض الرقاة أقرب إلى العطارين والمتطببة الشعبيين منه إلى الرقية.
وانتهى الشيخ عبد الله الغميجان إلى القول : نحن اليوم أحوج ما نكون إلى إعادة الرقية إلى صفتها الشرعية، بعيدا عن بدع الخرافيين، وخزعبلات المشعوذين، وتجارب المتطببين، وزيادات بعض الرقاة واختراعاتهم، وكم أتمنى لو تبنت جهة رسمية برامج توعوية للرقاة يناقش فيها كل ما يتعلق بممارسات الرقاة وأساليبهم وما يمر بهم من حالات تستدعي نظرا شرعياً، وبرامج أخرى لعامة الناس حول الرقية وصفتها وممن تطلب ونحو ذلك.