منذ أيام انتقلت والدتي إلى رحمة الله وبالتحديد يوم السبت 15-4-1435 هـ وكان الموقف محزناً ومؤلماً ولكن لا راد لقضاء الله وقدره، ويقول سبحانه وتعالي: (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام).
فعندما أرثي والدتي فإني أتذكر تضحيتها معي الحسية والمعنوية التي أدركها أو لا أدركها فأتخيلها وهي في شبابها متزوجة تمني نفسها بالحمل بمولود تسعد به مهما عانت من أجله وتحقق لها ذلك وضحت بصحتها ووقتها من أجله تسعد بصحته وتتألم لمرضه أحلام اليقظة حاضرة معها تتطلع إلى مستقبله وتحصيله العلمي، وتحقق لها ذلك كذلك تحب أن تراه متزوجاً ولديه ذرية صالحة تداعبها وتقبلها كما قبلتني من قبل وتحقق لها ذلك وذكرتني بقول الشاعر «لي جدة ترأف بي أحنى عليّ من أبي».
نعم أبنائي بدون استثناء يعتبرون جدتهم الملاذ الآمن بل أبعد من ذلك طلباتهم إذا أرادوا أن يتحقق لهم لا بد أن تمر من خلالها لأنهم يدركون غلاءها ومكانتها عندي والدتي الغالية أنني كلما تمعنت في سجلك الحافل تجاهي لن أوفيك حقك أجد نفسي مقصرا في كل شيء مهما عملت من جميل لأن أعمالك وتضحياتك لا ولن أحصيها ولن أوفيها حقها فمن أنا والقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة أنزلك المنزلة الروحية التي تليق بك أنت ووالدي في قول الحق تبارك وتعالى بقوله (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً). أما السنة النبوية الشريفة فيظهر ذلك جلياً في الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أبوك» رواه البخاري ومسلم.
والدتي العزيزة وسط هذه التضحيات كنت تعانين الكثير من الأمراض التي تتناسينها وتجعلينها أمراً سهلاً لأن اهتمامك منصب عليّ ولكن عندما تطورت وزاد آلامها نحس بها دون شكوى منك بادرنا أنا وزوجتي (بدرية بنت عبدالعزيز الحكير) إلى إعلان المشاركة الوجدانية التي تليق بك فصحتك هي همنا الأول ورعايتك والاهتمام بغذائك ونومك، حيث نتبادل الأدوار ولكن أم بدر نذرت نفسها لخدمتك ولا يهدأ لها بال إلا أن تباشر خدمتك بنفسها لا يمكن بأي حال من الأحول أن توكل المهمة لأحد غيرها حباً وتقديراً لك لأنك غرست المعاني السامية والقيم الفاضلة التي أسست للألفة والمحبة.
والدتي الغالية ياما سمعت منك عبارات الحب والتقدير لأم بدر على اعتنائها بك التي أسعدتني كثيراً لأننا نعيش من عصر تقلص فيه الوفاء وكثر فيه عقوق الوالدين ولكن ما زال الخير في أمته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
فأقول لأم بدر أجزل الله لك المثوبة والأجر عند الله لما قدمت من تضحيات تجاه والدتي التي هي أصلاً ترجمة حقيقية لما يتم في بيت الزوجة التي رسخت هذه الشراكة وجعلتها سلوكاً لنا في حياتنا تقودها أم بدر ونحن من خلفها سائرون.
وأسأل الله أن يتغمد والدتي برحمته وأن يسكنها الفردوس الأعلى من الجنة وجميع موتى المسلمين.