للقلم في الكتابة عن مقرن بن عبدالعزيز جولات وصولات، فالكاتب عن هذا الإنسان محاط بشيء من الخوف إذ يتلقف كتابته ذهن متقد، وذوق مستدق، وملكة بيانية عند سموه، وبصيرة نافذة بمذاهب الناس، فمن لم يقابل مقرن لا يدرك ما يترامى إليه مثل سموه إلا بجهد مبذول، وتعب غير مريح. ذلكم أن مقرن بن عبدالعزيز له من الولايات المتعددة لأصعب المناصب القيادية ما جعلت منه الإنسان الطموح والحصان الجموح. فهو متخرج من مدرسة أبيه، ثم إخوته من بعد أبيه. عمل أميراً فاستخباراتياً، فمستشاراً لولي الأمر. كل ذلك جعل منه الرجل المهيأ لما يريده صانع القرار ومبايعوه.
إن الإمام لم يسمك مقرنا
حتى بلاك فكنت عين الصارم
وإذا تتوج كنت درة تاجه
وإذا تختم كنت فصَّ الخاتم
هذا هو مقرن. عرفت فيه خصالاً محمودة منها:
1 - إذا قابلته ولك حاجة لا يمكن أن يقول: أفعل ولا يفعل، أو يقول: لا أفعل وهو قادر على أن يفعل.
2 - عنده حذق العلماء والأمراء فعندما تكلمه عن موضوع معين لا يقاطعك الحديث، يطرق رأسه كمستمع لموعظة جمعة، فإذا انتهت تحدث معك بما يناسب حديثك سلباً أو إيجاباً.
3 - عنده مهارة القائف، يعرف الكلام الذي عليه نور، أو العكس، فلا يطيل في المجادلة، ويكون التوجيه منه بما يناسب الحال.
ووعدك فعل قبل وعد لأنه
نظير فعال الصادق القول وعده
4 - حدثني عنه بالهاتف معالي الشيخ د. قاضي الاستئناف الحافظ الناصح الورع الزاهد حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ، إمام الحرم النبوي وخطيبه، من أسرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، قال عنه: يحب النظام والعمل به، ما رأيته فترة عمله في إمارة المدينة تجادل مع أحد، مسدد القول والعمل. وحدثني عنه أحد قضاة المدينة فقال: يحب القضاة ويحترم القضاء، وإذا سمع عن قاض خللاً في عمله بعث إليه من يثق فيه، لا يعرف التعالي على الناس إلا حين يكون التعالي، ولا يعرف الاعتداد بالنفس إلا حين يكون الاعتداد بالنفس. يؤمن بحق الكبير واحترام الصغير، لا يؤمن بحقه على أهل زمانه، وأحسبه كان محقاً في ذلك. وإلا لما وضع فيه ولي الأمر هذه الثقة ولما سعى إليه مبايعوه كنفير الحجاج من منى إلى عرفة.
إن أكن معجباً فعجب عجيب
لم يجد فوق نفسه من مزيد
هذا هو مقرن بن عبدالعزيز لم يكن ليستقبل مبايعيه عبثاًَ ولا كان عاجزاً يمني نفسه بالقول دون الفعل، وإنما كان يسعى لآمال هذا المجتمع سعي المشيح المجد، فلقد هم بالمجد وهم به المجد وترقب الغرس، ولم يسكت عن العمل ولم يبارح عتبة صبا الفتوة بعد أن أوغل في سني الرجولة والحكمة.
مقرن: تركزت آماله في عقله الباطن وراح يعمل على تحقيقها في هدوء ويقين وثقة بالنجاح. وقد استمر يمنّي النفس ويبسط أمامها سبل الأمل الباسم الخلاب حتى نمّى الزمان هذا الأمل في فكره وعقله فأقدم عاملاً متحملاً لا يشكو لنفسه مطل الزمان، ولا يشكو لبني الإنسان فهو يرى العمل دونه بكثير.
وإن مديح الناس حق وباطل
ومدحك حق ليس فيه كذاب
بيد أنه على حسن حاله وإغراقه في العمل قد توقد ذكاؤه ونبه شأنه حتى رغب في مجالسته العلماء والأدباء كيف لا وقد هيأ له أبوه السعادة والمجد، وأعانه أخوه عبدالله على الدخول في عباقرة الخالدين وكان له على خطوب الدهر خير معين حتى أصبح ماضي العزيمة عظيم البلاء. سمعته ذات مرة وهو يقول: يعجبني الرجل شجاعاً في انتصاره وهزيمته معاً. هذا هو مقرن، له نظر ثاقب يدل على أنه المسؤول المطبوع، ونقد يدل على سلامة الذوق والعلم بالقبائل وعلومها.
قرأت شخصية مقرن من خلال عمله في تسعة محاور:
ثلاثة محاور في كرمه كأمير، وثلاثة محاور في بعد نظره كمستشار، وثلاثة محاور في حذقه ومهارته كاستخباراتي.
أما اللاتي في كرمه:
- إنه يعطي بعد التحري. وهذا يتفق مع الدين.
- يعطي من يستحق ومن لا يستحق. وهذا يتفق مع الدين والشهامة.
- إنه يهدي ويقبل الهدية بشروطها وضوابطها.
أما اللاتي عنده كمستشار:
- لا يحكم على الشيء حتى يعرف حقيقته. وهذا يتفق مع القاعدة الشرعية: الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
- لا يبدي رأيه حتى يعرف الموضوع من جميع جوانبه.
- لا يقرر رأياً فيه ضياع لحق المواطن أو الدولة، فحق الجميع عنده محفوظ فلا يجامل أحداً فيما يقول أو يدع.
أما اللاتي في عمله كاستخباراتي.
- لا يتأخر عن دوامه. هكذا أخبرت.
- إذا حضر إلى مكتبه خلع عنه جلباب الكسل وأصبح متفرغاً لعمله.
- تقليل الزيارات في العمل ما استطاع إلى ذلك سبيلا يضاف إلى شجاعته وأدبه، كرم وسماحة بالغة فكان مقصد العلماء والأدباء وقبلة آمالهم ومحط رحالهم فيروى أنه لم يجتمع في بيته ليلة جلسته عند أحد مثلما اجتمع عنده من شيوخ العشائر وفحول العلم والأدب.
موقع الخيل من نداك طفيف
ولو أن الجياد فيها ألوف
هذا هو الأمير مقرن في حزمه وكياسته وفطنته جعلت منه مدرسة أبيه سياسياً قديراً، وداهية خطيراً، ديناً متواضعاً، سخياً كثير الهبات والخلع والعطايا والصدقات، أراد الله أن يتم ما خطه في أم الكتاب وهو تعيينه وليا لولي العهد ليستقر البناء ويتماسك، وتجتمع الأمة على قلب رجل واحد فيستتب الأمن، وتعمر المساجد
إذا كسب الناس المعالي بالندى
فإنك تعطى في نداك المعاليا
فشكراً لصانع القرار، وشكراً لمن بايع. ودعاء لبلادنا بالأمن والأمان والإيمان.
ترك مديحك كالهجاء لنفسي
وقليل لك المديح الكثير