فوجئ التونسيون بتلقي أربع مؤسسات تربوية بمحافظة نابل (60 كلم شمال شرق العاصمة تونس)، وكذلك مقر الاتحاد الجهوي للشغل بالجهة، برقيات تهديد بالتفجير عبر رسائل مجهولة الهوية. وتستهدف هذه الرسائل مدارس ومعاهد يؤمها مئات التلاميذ مما أدخل الهلع على آلاف الأسر هناك.
وتتضمن الرسائل الموجهة لاتحاد الشغل تهديداً باغتيال قيادات نقابية إلى جانب تهديد مباشر بالتصفية الجسدية للحسين العباسي رئيس الاتحاد، وهي ليست المرة الأولى التي يتلقى فيها العباسي تهديداً بالقتل. وكانت قوات الأمن وعلى إثر وصول هذه التهديدات عززت وجودها حول مقر الاتحاد الجهوي للشغل بالمنطقة وكذلك أمام المؤسسات التربوية المعنية بالتهديدات تحسباً لأي طارئ.
في جانب آخر، لا تزال مدينة بن قردان الواقعة على الحدود الجنوبية مع الجارة ليبيا تعيش على وقع إضراب شامل أصاب المرافق العمومية والخاصة بالشلل التام جراء اندلاع احتجاجات شعبية غير منظمة أدت إلى إقدام بعض الشباب على إحراق مقر اتحاد الشغل بالجهة، وذلك على خلفية عدم تبني الاتحاد لهذه التحركات الشعبية التي يقول المشاركون فيها إنها جاءت استنكاراً لتجاهل حكومة المهدي جمعة لطلبات السكان الملحة والمتعلقة بوجوب توفير المشاريع التنموية انقاذاً للجهة من الفقر والحرمان الذين تعاني منهما منذ عقود.
وكان البعض قد أرجع اندلاع شرارة الاحتجاجات التي لم تنفع معها تدخلات القوات الأمنية، إلى تعنت الجانب الليبي ومواصلته غلق معبر رأس جدير الحدودي مما أضر بمصالح التونسيين الذين يعيشون على التبادل التجاري مع الطرف الليبي، إلا أن اتحاد الشغل فند هذه الرواية واتهم أطرافاً مندسة بتعكير صفو الجو العام ومحاولة دفع السكان إلى الفوضى والانفلات التام... وكرد على هذا الاتهام عمد الشباب المحتج إلى حرق مقر الاتحاد وإتلاف محتوياته بالكامل مما حدا بالمنظمة الشغيلة إلى إعلان الإضراب العام إلى أن تهدأ الأوضاع بابن قردان.
وفي ذات السياق، انطلقت أمس المفاوضات بين الحكومة واتحاد الأعراف واتحاد الشغل حول الترفيع في الأجر الأدنى، وقد تم الاتفاق على تبادل الأطراف المفاوضة للأرقام الحقيقة للوضع الاجتماعي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد، كما تقرر عقد جلسة ثانية يوم 8 أبريل لمزيد التفاوض. ومن المتوقع أن تقع خلال الجلسة القادمة تقديم مقترحات حول نسبة الزيادات في الأجر الأدنى الذي يهم أكثر من 100 ألف عامل في تونس. ويعد انطلاق المفاوضات حول الأجر الأدنى مؤشراً لانطلاق مفاوضات اجتماعية في القطاع العام والوظيفة العمومية لاسيما وأنه ستنطلق يوم 10 أبريل القادم المفاوضات حول الزيادة في الأجور في القطاع الخاص.
ورغم الصعوبات الاقتصادية التي تعيشها البلاد فإن الأطراف المتفاوضة من حكومة وأعراف وعمال عبروا في عديد المناسبات عن ضرورة إيجاد حلول للوضع الاقتصادي والاجتماعي بعيداً عن تأزيم الوضع الاجتماعي.
سياسياً، وفيما ينهي اليوم رئيس الحكومة زيارة ناجحة إلى أمريكا بدعوة من أوباما، انشغل رئيس الدولة المنصف المرزوقي بوضع اللمسات الأخيرة لحزبه الجديد الذي سيدخل به الانتخابات الرئاسية القادمة بعد أن كان حزبه الأصلي (المؤتمر من أجل الجمهورية) الحليف الأول للترويكا المستقيلة، قد رشحه رسمياً للرئاسية.
وقالت مصادر حسنة الاطلاع إن المرزوقي أضحى منزعجاً من «تغريد المؤتمر خارج السرب»، خاصة فيما يتعلق بمعارضة الحزب للحوار الوطني وتمسك قياداته بتمرير قانون الاقصاء السياسي، مما يتعارض ومصالح المرزوقي الانتخابية ولا يتماشى ومفاوضاته السرية مع النهضة والتي يرمي من خلالها إلى إعادة تجربة التحالف بما يضمن جلوسه ثانية على كرسي الرئاسة بقرطاج.
إلا أن المتتبعين للشأن المحلي، يقرون بصعوبة تحقيق المرزوقي لأي نجاح في الانتخابات القادمة بالنظر إلى الأخطاء الديبلوماسية الكبيرة التي اقترفها حيال بعض الدول الشقيقة والصديقة والتي أدت إلى توتر علاقاتها مع تونس في ظرف تحتاج فيه البلاد إلى مساندة كل دول العالم في مسارها الانتقالي.
أما رجل الشارع الذي أضحى يترنح تحت نيران ارتفاع الأسعار، فلم يعد يربطه برئيس الدولة غير الانتماء إلى الوطن نفسه، من ذلك أن الجميع يقر بما أتاه المرزوقي من زلات لسان كلفت تونس الكثير من الصداقات المهدورة والنوايا الحسنة المقبورة، ففيما تزداد شعبية بعض القيادات السياسية صعوداً، ما فتئت شعبية الرئيس المرزوقي تتراجع بشكل ملفت للانتباه.