في البدء كان الجدل أحد مصادر المعرفة.. فالجدل فلسفة قائمة على الشيء وضده.. نظّر لها ومارسها الصينيون والإغريق، كما استخدمها علماء اللاهوت في القرون الوسطى كطريقة تبرهن أو تدحض الآراء المقابلة.. وذلك باستخدام بديهيات التفكير أو مهارة تأويل الأمور أو إعادة تأطير الصورة حتى يختلف تصورها ومن ثم الحكم عليها.. ومع كل الهرطقة والادعاءات والتوترات المصاحبة للجدل إلا أنها أدت دوراً عظيماً في سبر أغوار الحقيقة.. ليس في مجال الفكر وحده، بل تعدته إلى مجالات الفلك والكيمياء والفيزياء وعلوم الاجتماع.
ومع تطور الإنسان تطورت آلياته في استخدام الجدل كوسيلة للتفكير والتحليل والإقناع والمحاجة والمحاكمة.. وظهرت وجوه جديدة من الجدل بعضها إيجابي يبحث عن الحقيقة والآخر سلبي يبحث إما عن انتصار اللحظة أو هو نتاج عقل سطحي أو انتهازي.. ومن ذلك:
1- الحوار: وهو حديث العقل.. الذي له غاية واحدة وهي الفهم لإيجاد مساحات مشتركة تفيد المتحاورين.. مع استعداد الطرفين لتبني المفيد ودمج الأفكار.
2- المناظرة: هي أقرب للمناطحة.. وهذا يستدعي التحضير والبحث والتقصي.. وتعتمد كثيراً على مواهب الشخص في الفصاحة والبلاغة.. وتكون المناظرة أمام جمع غفير.. ويكون فيها حكام.. وفائز وخاسر.. وهدفها ليس إقناع المناظَر، بل إبهار السامعين.
3- المناقشة: تكون بين شخصين أو أكثر.. بغرض نقاش موضوع واحد لفحصه وكشف خباياه ووضع تصور يقود إلى إيجاد حلول.
4- الجدل البيزنطي: وهو الجدال خارج الموضوع.
5- الجدل السفسطائي: أن تحترف الجدال وأن تقف ضد كل ما يُقال.. والسفسطائيون يجادلون وفق فكرتين رئيسيتين الأولى: أنهم يعرفون كل شيء والثانية: أنه لا يمكن معرفة حقيقة أي شيء.
6- العصف الذهني (Brain Storming) وهو لا يكون إلا بمجموعة مختصة يعملون وفق منهج يستمر لعدة ساعات وأحياناً أيام في سبر غور موضوع واحد.
7- حوار الطرشان: وهو حوار من لا يريد أن يتزحزح عن رأيه أو
8- أفكاره.
الجدل اليوم هو حوار العامة.