كغيرنا من جميع شعوب العالم، سمعنا وشاهدنا - نحن في السودان - ما حملته وسائل الإعلام المُختلفة من أنباء عن القرار الملكي لخادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز (حفظه الله وأبقاه)، القاضي بتعيين سمو الأمير مقرن بن عبد العزيز ولياً لولي العهد.
وللحقيقة أسعدني الخبر كثيراً، بعدما جمعتني الأقدار بسمو الأمير مقرن بن عبد العزيز مع بدايات هذه الألفية وعرفت بعض جوانب شخصيته عن قُرب، حينما كنت أعمل في الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي، وكان سموه أميراً على المدينة المنورة، ومُشرفاً وراعياً للجمعية التعاوُنية لمُنتجي ومُصنِّعي التمور بالمملكة العربية السعودية، وحضرنا إلى المدينة المنورة وأقمنا بها ندوة علمية تخصُّصية في إنتاج وتصنيع وتسويق التمور بالتعاوُن مع الجمعية، حضرها مجموعة من خيرة الخُبراء العرب والأجانب المُتخصِّصين في هذا المجال من كافة الدول العربية والمؤسسات الدولية والإقليمية ذات العلاقة.
سعادتي بهذا الخبر، تعودُ لما لمسناه من سمو الأمير مقرن بن عبد العزيز وشخصيته المُتفرِّدة في كل شيء. إذ لا يمتازُ فقط بالكرم الذي اشتهر به السعوديون بنحوٍ عام وآل سعودٍ (دون فرز) بوجهٍ خاص، وهو ما يشهدُ به جميع شعوب العالم، ولا توجد دولة إلا وامتدت إليها أيادي السعودية البيضاء وحُكَّامها ولله الحمد. ولكن ما لمسناه من سمو الأمير مقرن بن عبد العزيز كان أمراً مُغايراً تماماً، حيث اعتاد حضور مثل هذه الفعاليات على عبارات بروتوكولية محددة من المسئولين كالترحيب بالحضور والإعراب عن الارتياح للفعالية المعنية وما يدخل في هذا الإطار. إلا أنَّ سمو الأمير مقرن بن عبد العزيز فاجأ الحضور والمُشاركين في الندوة العلمية المتخصصة، حينما ناقشهم (وبعُمق) مُدهش في تفاصيل زراعية وتقنية عديدة لا يعرفها إلا المُتخصِّصين في تلك المجالات، وما أثار الدهشة أن حواراته كانت من مُنطلق معرفة عميقة ولم تكن تساؤُلات، مع تواضع واضح ورحابة صدر في استماعه لآراء الحضور ومُلاحظاتهم ثم تعقيباته الوافية والشافية عليها والتي أقل ما يمكننا وصفها به بأنَّها رائعة وذكية.
وللحقيقة أجمع الحضور، وهم الخبراء الزراعيون المُتخصِّصون في الصناعات الغذائية (عرب وأجانب)، على روعة هذا الأمير وإنسانيته وثقافته العالية على خلاف الانطباعات المُعتادة عن المسئولين، والتي لا تتعدَّى الإعجاب بكرم المسئول المعني وتعامله الإنساني والراقي وما إلى ذلك. إذ جمع سموه بين هذه الجوانب وأضاف لها جانباً آخر أثار دهشة وإعجاب أولئك العُلماء والمُتخصصين، تمثل في استيعابه العميق لموضوع الندوة ومشاركته في فعالياتها، ليس كضيف شرف أو كراع انطلاقاً من موقعه السيادي والرسمي، وإنمَّا أيضاً كخبير ملم بموضوعها وأهميتها وأثرها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
ولعلَّ ما يُشير لاتساع أفق صاحب السمو الأمير مقرن بن عبد العزيز (وفق إجماع الحضور) اختياره لهذه الجمعية من بين التجمعات الأخرى في المملكة ليرعاها ويقوم على أمرها، ونعني بها جمعية مُنتجي ومصنعي التمور، مما يُؤكِّد وعيه وإدراكه العالي بأهمية النخيل ومُنتجاتها من التمور برؤية علمية رصينة، تتجاوز الرُؤية التقليدية التي لا تتعدَّى الزراعات التقليدية إلى تفعيل صناعاتها التحويلية سواء كانت غذائية (للإنسان والحيوان) أو غيرها وتعظيم عوائدها الاقتصادية والغذائية. وهي جميعها تُشير (كما أسلفتُ) لشخصية عالية الوعي والإدراك يتمتَّع بها سمو الأمير مقرن بن عبد العزيز، هذا بخلاف الجوانب الإنسانية والأخلاقية الإسلامية والعربية الأصيلة التي أبداها سموه في تعامله معنا جميعاً، لذلك سعدتُ من دواخلي لهذا الاختيار، ليس فقط لسموه وإنما أيضاً للإخوة السعوديين الموعودين برجلٍ فوق العادة أطال الله عمره.
وللحقيقة للمملكة العربية السعودية مكانة خاصة في قلوب الجميع، وبخاصة نحن السودانيون، والكل يهفو إليها - أي المملكة - ويكفيها أن بها القبلة الأولى (بيت الله الحرام) وأنها تحوي بين أراضيها أطهر الأجساد، وهو جسد النبي عليه الصلاة والسلام وأزواجه وصحبه الكرام عليهم رضوان الله جميعاً، فضلاً عن مكارمها غير المحدودة معنا ومع غيرنا من دول العالم العربي والإسلامي، لذلك نفرح لكل خيرٍ يأتيها انطلاقاً من أن خيرها هو في الواقع خيرٌ لكل العالم الإسلامي، فهنيئاً للسعوديين بمليكهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله (متعه الله بالصحة والعافية) ولولي عهده الكريم سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز، وبقية عقدهم الفريد، والتهنئة للسعوديين (ولنا أيضاً في العالمين الإسلامي والعربي) بسمو الأمير مقرن بن عبد العزيز الرجل العالم والمثقف والمتواضع والكريم، داعين الله عز وجل أن يُديم عليهم نعمه الظاهرة والباطنة، واعذروني إن تقاصرت كلماتي ولم تطل قاماتكم السامقة، فعندكم تقف المفردة حائرة، والحديث عنكم يحتاج لحروفٍ جديدة، مع محبتي واحترامي وتقديري لأهل المملكة الكرام.