إن اختيار صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء والمستشار والمبعوث الخاص لخادم الحرمين الشريفين حفظه الله، وليًّا لولي العهد حدثٌ تتمثل فيه تجلياتٌ تستحق التوقف عندها والإشادة بها، ويمكننا الاكتفاء في هذا المقام بالإشارة إلى الآتي:
أولاً: حوت ديباجة الأمر الملكي رقم أ / 86 وتاريخ 26 / 5 / 1435هـ المقاصد العليا من هذا الاختيار المتمثلة في الاعتصام بحبل الله، والحرص على الأخذ بالأسباب الشرعية والنظامية، لتحقيق الوحدة واللحمة الوطنية؛ انطلاقاً من المبادئ الشرعية التي استقر عليها نظام الحكم في المملكة العربية السعودية، التي دأبت منذ تأسيسها على خدمة الدين ثم البلاد والعباد، وما فيه الخير لمواطنيها وللشعوب العربية والإسلامية بل للإنسانية جميعا.
ثانيًا: من اللافت للنظر الكيفية التي تم فيها الاختيار، التي أظهرت استقرارًا دستوريًّا والتزامًا من أعلى قمة في هرم السلطات في هذا الوطن الكريم بما نص عليه النظام الأساسي للحكم ونظام هيئة البيعة، بما يحقق الغايات المتوخاة من إيجاد هيئة للبيعة، لتكون في هذا الشأن البالغ الأهمية بمثابة المرجعية العليا قبل أي اختيار أو تعيين لمثل هذا المنصب.
ثالثًا: نص الأمر الملكي على أن هذا الاختيار كان بناء على رغبة خادم الحرمين الشريفين وتأييد سمو ولي عهده حفظهما الله وموافقة ما يزيد على ثلاثة أرباع هيئة البيعة، في ضوء ما هو مثبت في الوثيقة التي وقعها خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده رقم 19155 وتاريخ 19 / 5 / 1435هـ وكذلك في محضر هيئة البيعة رقم 1 / ه ب وتاريخ 26 / 5 / 1435هـ ، وفي هذا تجلٍّ عالٍ أدت فيه هيئة البيعة دورها، والتزام من الجميع بمبدأ الشورى.
رابعًا: أن في مبايعة الأمير مقرن ولياً للعهد في حال خلو ولاية العهد ومبايعته ملكاً للبلاد في حال خلو منصبي الملك وولي العهد في وقت واحد واقتصار منصب ولي ولي العهد في البيعة على هاتين الحالتين، حسمٌ لهذا الأمر، بما يؤدي بإذن الله إلى الاستقرار البعيد المدى، مما ينعكس بآثاره الحميدة على مستويات مختلفة.
خامسًا: بعد إعلان هذا الأمر، لا يمكن تجاهل ردود الفعل وبخاصة كيف تلقى عموم المواطنين الأكارم في هذه البلاد المباركة هذا الاختيار، ويمكن النظر إليه من خمس نواحٍ:
أولاها: المحبة المنقطعة النظير التي تسكن أعماق القلوب لهذا الملك الصالح أمد الله في عمره، ومن ثم تقبل ما يصدره من أوامر ثقةً لا يدانيها شك بأنه حفظه الله حريص على مصلحة البلاد والعباد.
ثانيها: التوافق الذي يسود السلطة السياسة في وطننا، والمتمثل في الانسجام المميز بين الملك وولي عهده حفظهما الله، ولم يكن ذلك مقصورًا على رغبتهما المشتركة في الاختيار بل تجاوزه إلى الآلية التي جرى بها، وهذا من فضل الله علينا في هذه البلاد.
ثالثها: مدى القبول والشعبية التي يحظى بها سمو الأمير مقرن وفقه الله، وهذا حصادٌ طبيعي لما زرعه طوال السنوات الماضية في خدمة وطنه في مناصب مختلفة.
رابعها: أن في ذلك تجسيدًا للصلة العميقة بين قيادة الدولة والمواطن التي وصلت لدرجة التماهي والقناعة التامة والرضا المتغلغل في النفوس وكأنهما روح وجسد لا ينفصلان ولا ينفكان عن بعضهما.
خامسها: الوعي العميق الذي نلمسه لكل الأطراف بما ينبغي منه تجاه الآخر، وهذا لم يتأتَّ إلا بعد استقراء للأوضاع العالمية والإقليمية وما قد يحصل جراءها من تداعيات حالية ومستقبلية، فضلاً عما يوليه كل طرف من عناية لا تقبل الجدل بالسلم الاجتماعي والاستقرار السياسي في وطننا.
حفظ الله لنا وطننا وقادتنا وأدام علينا أمننا وعافنا من تقلبات الزمان وجنبنا مضلات الفتن.