ها هو الملك عبد الله يعيد مجدداً ترتيب بيت الحكم السعودي، في قرار تفصيلي يؤكد استقرار مؤسسة الحكم الملكية في المملكة العربية السعودية، واختيار الأمير مقرن بن عبد العزيز النائب الثاني والمبعوث الخاص للملك، ولياً لولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز، يعني بوضوح مهم وتام أن المناصب القيادية في قمة هرم الدولة السعودية الثالثة سيبقى مستقراً لعقد وربما أكثر.
وهو ما يرسم منهج استقرار سياسي واقتصادي لكل ما يعمل وعمل على إنجازه منذ تولى الملك عبد الله بن عبد العزيز مقاليد ومفاتيح الحكم السعودي، إنها إشارة قوية نحو استمرار المسيرة إلى الأمام في توافق واضح تظهره صيغة القرار بتفاصيله وتأكيده ونفاذه المستمر.
فالأمير مقرن المعروف بميوله الفلكية والرصد الفلكي، والقراءة، والثقافة، وأبحاث الزراعة، إضافة إلى اهتماماته باستخدامات التقنية، والحكومة الإلكترونية وتطبيقاتها، وكذلك الشعر العربي، والذي يمتلك مكتبة كبيرة فيها ما يزيد على عشرة آلاف كتاب، تولى عدة مناصب إدارية وتنفيذية عليا، قبل أن يصبح ولياً لولي العهد، وقد أصبح بشخصيته العلمية والعملية المنفتحة والموضوعية هو ولي العهد القادم، ثم الملك التالي، في تراتبية واضحة مهرت بختم هيئة البيعة للأسرة الملكية الحاكمة.
والقرار الملكي هو حقيقة بمثابة وضع حد لكل التشاؤمات والتفسيرات والعلل المكررة التي سمعنا عنها في أوقات متفاوتة، وفي مراحل زمنية مختلفة حول مستقبل الحكم في السعودية. وتثبت قرارات الملك عبد الله في هذا الإطار أن كل من ينقل عن محللين غربيين أو نحوه لا تعدو كونها تخرصات لا تستحق التعاطي الجاد.
ومرة بعد مرة يسجل عبد الله بن عبد العزيز حضوراً صارماً في قلب الجدل والخلافات ونقلها -كما البلاد - لمرحلة الحسم ووضوح الرؤية، في سابقة تحتاجها الديار وبإصرار من أجل وضع خريطة استقرار سياسي لدولة هي من بين العشرين دولة الأقوى في اقتصاد الكون، ولأرض تملك نحو 25% من الاحتياطي العالمي للنفط، وتمول الحصة الأكبر من حاجة السوق العالمي للطاقة، وهي عمق الأمتين العربية والإسلامية.
والمملكة الكبيرة التي تجاوزت كماً من التحديات السياسية والأمنية وحتى الاقتصادية في مراحل متفاوتة، تواصل مسيرة رسم الاستقرار المستقبلي لسنوات قادمة، وهو الأمر الذي سيمنح بلا شك قوة دفع للاقتصاد القوي، ورفع معدل الثقة العالمية في الخريطة السياسية المحلية ومساراتها التالية.
فالقرار الملكي ليس مجرد خطوة لتثبيت دعائم الأسرة الحاكمة وتأكيد تماسكها واتجاهاتها المستقبلية، لكنه أيضاً تأكيد لثبات كل القرارات التحديثية التي اتخذت خلال الفترة الماضية في جوانب مختلفة تتعلق بالتحديث والانفتاح الاجتماعي، والتنمية الاقتصادية، والحراك السياسي، بما في ذلك المواجهات الفكرية والأمنية للإرهاب ومتابعة تياراته.
والحقيقة أننا لو نظرنا بتمعن أو متابعة استقصائية لكل القرارات السابقة التي اتخذت في صلب بيت الحكم الملكي السعودي، فيما يتعلق بالإنفاق أو في طريقة توزيع المناصب السيادية في قمة الهرم ونحوها، سنجد الحكمة والحرص وبعد النظر المستمر، لتثبيت ودعم استقرار الدولة السعودية الثالثة بطريقة واقعية، استطاعت مرة بعد مرة إضافة رصيد مهم ورفع الثقة إلى مستوى يتجاوز الحالي للمستقبلي، عبر ثبات الحكم، وضمان استمرار ما يتخذ من قرارات استراتيجية وإصلاحية، بعيدا عن المجاملة المباشرة أو الحلول التلفيقية المؤقتة.
نحن أمام دعم للكيان الوطني باتجاه المستقبل، وليس الحاضر وحده، في ظل ملك أحدث وغيّر الكثير من التوقعات ونسف الكثير من الظنون والتحليلات بشكل متواصل لوضع المشهد في إطاره الصحيح.. وباتجاه واحد.. اتجاه المستقبل.. الذي يرسمه عبد الله بن عبد العزيز.