لا تسل عنَّا ولا كيف لقانا
اسأل التاريخ عنَّا والزمانا
هذا أشهرُ بيتٍ كنتُ أسمعُه من الجدّ محمد بن حلوان - رحمه الله -، فكثيراً ما كان يُنشده ويتغنَّى به، خصوصاً إذا حضرت سيرةُ تاريخ أُسرته وأجداده، وهو بيتٌ من قصيدة «يا رُبى الفيحاء» للشاعر المصري المشهور محمود حسن اسماعيل.
لكن.. لم يدر بخلدي وأنا أسمع هذا البيت بصوته ونغمته - رحمه الله - أن سيأتي ذلك اليوم الذي أسألُ فيه (التاريخ) و(الزمان) عنه - غفر الله له وأعلى درجته - .
فأمَّا (التاريخ) فأجاب:
هو حفيدُ المجد وسليلُ الأماجد، فرعُ القادة الشُّجعان محمد بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد العزيز (حلوان) بن عبد الله آل سلمان، قال العلاَّمة المؤرِّخ عبد الله بن خميس: «آل حلوان هم من أهل الرياض». وقد وصفهم - رحمه الله - في كتابه «تاريخ اليمامة» بقوله: «هم رجالُ حربٍ، ورياسةٍ، وإمارة».
* فجدُّه الأعلى عبد العزيز بن عبد الله آل سلمان كان من قادة الدولة السعودية الثانية؛ فهو من الرجال المُقرَّبين للإمام عبد الله بن فيصل بن تركي - رحمهم الله - ويعتمدُ عليه في المُهمَّات ()، امتاز بالشجاعةِ والبَسالةِ، والحكمةِ، والديانة، سمَّاه الإمام عبد الله بن فيصل بـ(حلوان)؛ لأنه كُلَّما أمره بمُهمِّةٍ أتمَّها على أحسنِ وجه وأكمله.
* أما جدُّه الأدنى عبد الله بن حلوان، فهو من أشهر القادة المشاركين في توحيد الجزيرة العربية بقيادة الملك المؤسِّس عبد العزيز - طيِّب الله ثراه - فقد شارك مقاتلاً وقائداً في أكثر من عشرين معركة وسريَّة، أشهرُها: الصريف، عنيزة، حائل، الأحساء، الطرفية، جراب، تربة، السِّبلة، فتنة ابن رفادة، حصار جدة، حصار اليمن.. وغيرها. وقاد عبد الله بن حلوان عدداً من السرايا الحربية؛ منها السَّرية السعودية لاستعادة الأحساء والعقير، فنصره الله في تلك المعركة، فأمَّره الملك عبد العزيز على العقير حتى استتب الأمر والأمن فيها، وتولى خلالها الإشراف على ميناء العقير على الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية، وقاد - رحمه الله - الجيش السعودي لإخماد فتنة ابن رفادة المشهورة آنذاك، فلقَّبه الملك عبد العزيز بـ»صاحب المهمات الصعبة، وأبو السَّرايا».
امتاز هذا القائدُ بالقوةِ، والشجاعةِ، والإقدامِ، وفنون الرماية والفروسية، وحُسنِ القيادة، مع ذكاءٍ، وفِطنَةٍ، وسياسية، قال عنه مُعاصِرُه الشيخ عبد الله بن سليمان القيعان - أحدُ رجال الملك عبد العزيز - : «كان يتميَّزُ بشجاعةٍ لا يُصدِّقها إلا من رآه، فهو رجلُ المصاعب، وهو أمير فوقَ العادة». ووصفه إبراهيم بن عبد الرحمن الخميس في كتابه «أسود آل سعود وتجربتي في الحياة» بقوله عنه: «نادرٌ في الشَّجاعةِ والحكمة والبَسالة». وقد ذكره العلاَّمةُ المؤرِّخ عبد الله بن خميس من ضمن «رجال اليمامة» في تاريخه الكبير «تاريخ اليمامة»، وقال عنه: «من أبرز رجال الملك عبد العزيز، وأشجعهم، وهو قائدٌ مُوفَّق، له مواقفُ مشرِّفة». وقال عنه أيضاً: «اشتُهر بالشجاعةِ، والإقدامِ، وله مواقفُ مشرِّفة، وأعمال بطولية، يَدفع به الملك عبد العزيز في المُهمات والمُلمات؛ فيقضي كل ما يُسند إليه بأمانة وثقةٍ». ثم قال ابن خميس عن تاريخ عبد الله بن حلوان: «قضى حياته مجاهداً، مناضلاً، سواءً في الإمارات واللوازم، أو في الحروب وقيادة الجيوش والسرايا، فهو من الرِّجال الذين يُعوَّل عليهم، والذين لهم قدمُ صدقٍ في تأسيسِ هذا الكيان، وفي الدفاع عنه، والذَّب عن حياضه». ثم ختم المؤرِّخ ابن خميس ترجمة عبد الله بن حلوان قائلاً: «وبالجُملة: فهو من الرِّجال القلائلِ الذين سار ذِكرُهم وانتشرَ خبُرهم، وأدَّوا واجبهم بأمانة وثقةٍ».
ومما امتاز به عبد الله بن حلوان: الدِّيانةُ، والزُّهدُ، ومحبةُ العلم، ومجالسةُ العلماء، فلهُ مجلسٌ يجتمعُ فيه أهلُ العلم والفضل، وله مكتبةٌ علميةٌ في بيته، كانت مَـقصداً لطُلاَّب العلم في المنطقة؛ لاحتوائها على ما يزيد على ألف عنوان في مختلف الفنون الشرعية، مع نُدرة توافر الكتب في ذلك الوقت، توفي - رحمه الله - منتصف سنة 1382هـ في الرياض، وفُرِّقت مكتبته على طُلاَّب العلم من جلسائه وروَّاد مجلسه.
* وأما أبوه عبد العزيز بن حلوان، فقد جمعَ صفات والده وجدِّه، فقد كان - رحمه الله - شُجاعاً مِقداماً، صاحبَ رأيٍ حكيمٍ، ومَنطقٍ بَليغٍ، ذا ورَعٍ وديانةٍ مشهورة، فقد كان مُلازماً للمسجد ما بين صلاةٍ، وقراءةِ قرآنٍ، ودعاءٍ، واستماعٍ لمجالس العلم، فكان إذا فقده أهلُه؛ طلبوه في المسجد أو خلوته، مُـكثراً من صيام النوافل، كريماً جواداً، صاحبَ صدقاتٍ على المُحتاج من القريبِ والبَعيد، يشهدُ له بذلك أهلُه وجيرانُه.
شارك الجدُّ عبد العزيز في آخر حروب وسرايا الملك المؤسِّس عبد العزيز لتوحيد المملكة العربية السعودية مع والده القائد عبد الله بن حلوان، وكان - رحمه الله - من الجُلساء الملازمين للملك خالد - رحمه الله - قبل تولِّيه المناصب الرسمية، وبعد أن تولَّى الملك خالد ولاية العهد، طلبَه للعمل الرسمي معه؛ لما يتمتعُ به من حكمةٍ، وحصافةٍ، ورزانةٍ، وحُسنَ رأيٍ، فاعتذر؛ لزُهده وورعه، غفر الله له وأعلى درجته، أقام فترةً من حياته في مزرعة آل حلوان في الدرعية، المُسمَّاة والمشهورة بـ»الفيحاء»، التي أحياها والده عبد الله بن حلوان وأبناؤه، ثم انتقل بعد مرض والده عبد الله إلى الرياض، وفي آخر حياته أصيب بمرض مُعضلٍ، سافر على إثره لبريطانيا للعلاج، وبها توفي - رحمه الله وغفر الله له - عام 1397هـ، وصُلِّي عليه فجراً في الجامع الكبير بالرياض، وأمَّ المصلين سماحةُ مفتي الديار السعودية الشيخ عبد العزيز بن باز - قدَّس الله روح ونوَّر ضريحه - وشارك في دفنه في مقبرة العود وتشييعه جمعٌ غفير من العلماء على رأسهم سماحة الشيخ ابن باز، وجمعٌ من الأمراء والوجهاء والمُحبِّين له.
* وأما الجدُّ محمد بن حلوان - رحمه الله - فقد ولِد - بحسب الأوراق الرسمية - في شهر رجب من عام 1355هـ في مدينة الرياض، وتربَّى في كنف جدِّه عبد الله بن حلوان ووالده الشيخ الزاهد عبد العزيز بن عبد الله بن حلوان تربيةً صالحةً، حكيمةٍ، أثَّرت في حياته - رحمه الله - كما سيأتي ذِكرُ ذلك لاحقاً، فكان يرى من والده وجدّه الشجاعةَ، والحكمةَ، والرزانة، والديانة، وكريم الأخلاق، وحُسن المَعشر، ويلتقي في مجالسهما بكبار رجال الدولة السعودية وقادة الملك عبد العزيز، من أهل الحرب والرياسة والإمارة والحكمة والتاريخ؛ مما أثَّر على شخصيته وتربيته.
عاش - رحمه الله - أول شبابه في الدرعية في مزرعة آل حلوان «الفيحاء»، وبحكم جوار سماحة مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ لهم في الدرعية؛ بدأ الجدُّ محمد حياته العملية الأولى في منزل سماحته مُرافقاً له، ثم انتقل للعمل الإداري في بداية نشوء جامعة الرياض (جامعة الملك سعود)، إلى أن تقاعد بسبب بلوغه السن النظامي، قضى في العمل الإداري قرابة ثلاثين عاماً، عمل خلالها مع عدد من القيادات الإدارية والأكاديمية في الجامعة، وكانوا يشهدون له بحسن الخلق، وطيب المعاملة، والأمانة والثقة، والقيام بما يُناط به من عملٍ على أكمل وجه.
ثم بعد تقاعده - رحمه الله - كان مجلسه مَقصداً لأصدقائه ومُحبِّيه وأقاربه وجيرانه؛ الكبير منهم والصغير، فيجدون في مجلسه: القصص التاريخية، والأشعار والروايات النجدية، وذكر للمحاربين والقادة في الدولة السعودية، وشيء من حال السياسة الداخلية والخارجية، تناقصت تلك المجالس بعد مرضه - أعظم الله له الأجر - وبسبب وفاة بعض أصدقائه المقربين منه، توفي - رحمه الله - في يوم فضيل؛ يوم الجمعة الثالث عشر من جمادى الأول من هذا العام 1435هـ، ميتةً طيبةً طبيعةً بين أهله وأبنائه وأحفاده، كما كان يدعو الله دائماً بحُسن الخاتمة والموتة الطبيعية - رحمه الله وغفر له وأعلى درجته - فقد رُوي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من مسلمٍ يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر»، رواه أحمد والترمذي، قال العلاَّمة الألباني: الموتُ ليلةَ أو يوم الجُمعة من علامات حُسن الخاتمة.
فنسأل الله أن يكون ممن أكرمه بحسن الخاتمة، توفي - رحمه الله - عن ستة من الذكور، وأربع من الإناث، نسأل الله أن يبارك فيهم وفي ذرياتهم، وأن يرزقهم برَّه بعد موته؛ ففي الحديث: «إذا ماتَ ابنُ آدم انقطعَ عملُه إلا من ثلاثٍ» وذكر منها: «ولدٍ صالحٍ يدعو له».
* أما (الزمان) فأجاب:
قال ربُّنا تعالى في كتابه الكريم: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}، قال الحافظ ابن كثير: «يخبرُ تعالى أنه يَغرسُ لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات في قلوب عباده الصالحين مودةً، وهذا أمر لا بُدَّ منه، ولا مَحيد عنه».
قال البخاريُّ - رضي الله عنه - في «الجامع الصحيح»: باب ثناءُ النَّاس على الميِّت. ثم أورد في هذا الباب حديث أنس - رضي الله عنه - قال: مرُّوا بجنازة، فأثنوا عليها خيراً، فقال - صلى الله عليه وسلم - : «وجبت»، ثم مرُّوا بأخرى فأثنوا عليها شراً، فقال - صلى الله عليه وسلم - : «وجبت»، فقال عمر بن الخطاب: ما وجبت؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - :»هذا أثنيتُم عليه خيراً؛ فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتُم عليه شراً؛ فوجبت له النار، أنتم شُهداء الله في أرضه».
قال النووي: «كلُّ مسلمٍ ماتَ فألهمَ اللهُ تعالى الناسَ أو مُعظمهم الثناء عليه؛ كان ذلك دليلاً على أنه من أهل الجنة.. فإذا ألهمَ اللهُ - عز وجل - الناسَ الثناء عليه استدللنا بذلك على أنه سبحانه وتعالى قد شاء المغفرة له، وبهذا تظهر فائدة الثناء».
* فقد شهِد (الزمانُ) وأهله المعاصرون للجدِّ ابن حلوان بكلِّ صفاتٍ حسنةٍ، وسجايا نبيلةٍ، وصفات كريمةٍ، وأخلاق جميلةٍ؛ فإن من البشائر للعبد بعد موته: ثناءُ الناس عليه بالفضل والإحسانِ وجميلِ الأخلاق:
فارفع لنفسكَ قبل موتكَ ذِكرَها
فالذِّكرُ للإنسان عُمرٌ ثانِ
* وقد شهد (الزمان) بسعيه - رحمه الله - في بناء مسجد المقيرن في حي العقيق، الذي يعتبر من أوائل المساجد في الحي، قبل نحو رُبع قرنٍ تقريباً، وقيامه على شؤون المسجد، ورعايته، والاهتمام به، إلى أن مرض - أعظم الله له الأجر - قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ}.
* وشهد المعاصرون لزمانه - رحمه الله - حرصه على الاجتماع والائتلاف، بين أهله وأقاربه وأرحامه وجيرانه وأصدقائه:
فقد شهد (الزمان) حُسن تربيته لأبنائه وأحفاده، تربيةً تجمعُ بين: الدِّين والخُلق، فيُذكِّر الكبير منهم، ويحثُّ ويرغِّبُ ويعوِّدُ الصَّغير منهم بالتبكير والمواظبة على الصلاة، وكثيراً ما يرغِّبهم بالصدقة على المحتاجين خصوصاً الأقارب وأهل الحي.
وغرسَ - غفر الله له - في أبنائه وأحفاده احترامَ الكبير وتوقيره، والعطفَ على الصغير والأخذ بيده وتوجيهه، فمما امتاز به - رحمه الله - زرعُ الثقة في الصغار؛ فتجده يُكنيِّهم بكُنى حسنةٍ، وغالباً باسم أبيه أو اسم مُناسبٌ لاسمه، فمنذُ صغري كان - رحمه الله - يناديني بكُنيتي (أبو قاسم) نسبةً لأبي - أطال الله عمره على طاعته ومتَّعه متاعاً حسناً - وأحياناً يخاطبني بـ»الشيخ»؛ ليزرع في نفسي الصغيرة الثقة وحُبَّ العلم والتعلُّم، وكذلك كان يفعل مع بقية أحفاده فضلاً عن أبنائه، فأحدُ أحفاده الذين لم يتجاوزا سنَّ الثامنة يقول: كلكم تنادونني مؤيد! ما عادا جدَّي محمد! يناديني: أبو فهد. وكثيراً ما نسمعه يخاطب أحدهم بالضابط والمدير والطيار والأستاذ والأستاذة.. كُلُّ ذلك إحساناً منه في الخطاب، وحُسناً في التربية.
وكان - رحمه الله - يحرص على ترغيب الأطفال وصغار السنّ في التفوق الدراسي، وعلى التميُّز في حلقات تحفيظ القرآن الكريم، ويُقدِّم لهم بعد كل نجاح يحققونه هدايا مُحفِّزة، آخرها كان قبل يومٍ من وفاته - رحمه الله - وأعلى درجته - حيث أهدى لحفيدته الصغرى (جود) هديةً بمناسبة تفوقها الدراسي، وكذلك أهدى حفيديه (بدر وليان) مبلغاً مالياً قيمة جهاز إلكتروني لتميزهم الدراسي وفي حلقة تحفيظ القرآن، هذا فقط قبل يومٍ من وفاته - رحمه الله - هذه عادتُه الكريمة مع أحفاده الصغار، ويُشارك كبارهم فرحتهم أيضاً، فكثيراً ما كان يفاجأ أبناءه وأحفاده بوليمة على حسابه بمناسبة نجاح أحدهم أو عودته من سفر؛ إدخالاً للسرور على قلوبهم.. فلهُ مع كبيرنا موقف (نصح)، ومع صغيرنا موقف (حبٍّ وعطف)، ومعنا جميعاً: مواقفُ تشرحُ صدرونا وتسرُّ خواطرنا، فجزاه الله خير ما يجزي عباده المتقين، وجمعنا به في عليين.
* وقد شهِد (الزمان) أنه أسهم في تأسيس اجتماع العيد لأهل الحي، وجمعهم على مائدة الجوار، ليتفقَّد بعضهم بعضاً، مُستشعراً - غفر الله وأعلى درجته - وصيةَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله كما في الصحيحين: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننتُ أنه سيورِّثه»، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُحسن إلى جاره» رواه مسلم.
ولذلك.. حزن جيرانُه لفقده حُزناً عظيماً، وتوافدوا على الصلاة عليه، ودفنه، والمشاركة مع أبنائه في عزائه، وألسنتُهم تلهجُ بالدُّعاء له، وذكر محاسنه، والشهادة له بالخير والفضل؛ روى الإمام أحمد وغيره من حديث أنس - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من مسلمٍ يموتُ فيشهدُ له أربعةٌ من جيرانه الأدنين؛ أنهم لا يعلمون عنه إلا خيراً؛ إلا قال الله تعالى: قد قبلتُ قولكم، وغفرتُ له ما لا تعلمون» قال الألباني: حسن لغيره.
* وشهِد (الزمان) صلته ووصله لرحمه وقرابته، وسؤاله عن حال الصغير قبل الكبير، فتجده يشاركهم فرحتهم وحزنهم، ويديم زيارة من له حقّ القرابة والرحم، ويوصي أبناءه دائماً بصلة أرحامهم، فكثيراً ما يذكرهم بزيارة فلان، وتفقُّد حال فلانة، وإهداء الأسرة الفلانية.. وهكذا، ولذلك من أكثر العبارات التي سمعها أبناؤه في العزاء: كان والدكم صاحب وصل وذكر حسن.
* وشهِد (الزمان) تواضعه وتفقُّده لمن يعرفُ من المساكين والمحتاجين، فكان - رحمه الله - كثيرَ السؤال عن المحتاجين من الأقارب، فتجده يُعطيهم ما يُيسِّرهُ له من مالٍ وأرزاق، ويَذكُرهم للموسرين من الأقارب أيضاً، فكان كثيراً ما يردد (الأقربون أولى بالمعروف)، وقولُ النبي - صلى الله عليه وسلم - : «الصَّدقةُ على ذي الرَّحم صدقةٌ وصِلةٌ».
* وكان - غفر الله له - يتعاهدُ العَمالة في الحي، خصوصاً من يرتاد منهم المسجد، يتعاهدهم بما ينقصهم من معيشة، ويسمع منهم شكواهم، ويساهم في حلها، وكان يعايد عليهم في الأعياد، ويهديهم ما يفرحهم في العيد، فرَّحه الله بلُقيا النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في جنات النعيم.
* وشهد (الزمان) بأمانته، وكفافه، وعفافه، فكان شديد التحرِّي والتدقيق في ماله؛ مدخله ومخرجه، ومما يُذكر له - رحمه الله - : أنَّ جامعة الملك سعود صَرفت له سيارة عمل، فكان شديد المحافظة عليها، لا يستخدمها إلا للعمل فقط، ولم يسمح لأحد باستخدامها قرابة عشرين سنة؛ لأنها أمانة عنده، ومن شدة محافظته عليها، أن خصصَّ لها موقفاً مُظللاً لها فقط، دون بقية السيارات الشخصية الأخرى.
* فهذا ما شهد به (التاريخ) و(الزمان) لك يا ابن حلوان.. فاللَّهم أنزل على قبره رحمةً تُنجيه من عذاب القبر وعذاب النيران، وأنزله منازل أهل الإحسان والإيمان، وأرفع درجاته في أعلى الجنان، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين أولياء الرحمن، وغفر الله لنا ولوالدينا والمسلمين.