الدمام - فايز المزروعي:
قرَّر مجلس الوزراء السعودي في اجتماعه أمس، برئاسة الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، الترخيص بتأسيس الشركة العربيَّة السعوديَّة للاستثمارات الصناعيَّة (شركة مساهمة سعودية) برأسمال 2 مليار ريال، ويكتتب فيها كل من: صندوق الاستثمارات العامَّة، وشركة الزيت العربيَّة السعوديَّة «أرامكو السعوديَّة»، والشركة السعوديَّة للصناعات الأساسيَّة «سابك»، حيث يتَضمَّن تأسيس هذه الشركة العديد من الأهداف التي من أهمها: استغلال منتجاتها الأساسيَّة ومنتجات المؤسسات والشركات الإستراتيجية في المملكة لاستثمارها في الصناعات التحويلية والصناعات المساندة على أسس تجاريَّة، والاستثمار في القطاعات الاقتصاديَّة الإستراتيجية لتطوير صناعات تحويلية مُتعدِّدة في جميع القطاعات الصناعيَّة، بالإضافة إلى إقامة الصناعات التحويلية المعتمدة على البتروكيماويات والبلاستيك والأسمدة وكذلك الصناعات المعتمدة على الحديد الصلب والألمنيوم والصناعات الأساسيَّة الأخرى المحققة للتنوع الاقتصادي، إلى جانب تسويق المنتجات الصناعيَّة في المملكة وخارجها، وتملك واستثمار الحقوق والامتيازات وبراءات الاختراع والاستفادة منها.
وقال مختصون لـ«الجزيرة»: إن تأسيس مثل هذه الشركات العملاقة من شأنه أن ينظم ويدعم الصناعات التحويلية والصناعات المساندة في جميع القطاعات الصناعيَّة بالمملكة، ويجعلها على قدر كبير من المنافسة العالميَّة.
وأوضح رئيس اللجنة الصناعيَّة في غرفة الشرقية، سلمان الجشي لـ«الجزيرة» أن قرار تأسيس مثل هذه الشركات الصناعيَّة العملاقة، سيكون داعمًا كبيرًا للقطاع الصناعي عمومًا والصناعات التحويلية على وجه الخصوص، الذي سجَّل نموًّا ملحوظًا في الفترة الأخيرة، كما يُعدُّ حافزًا مؤثِّرًا للدفع بإنتاجيَّة هذا القطاع الذي يمثِّل نحو 80 بالمئة من حجم الصناعة السعوديَّة من ناحية عدد المصانع.
وبيَّن الجشي، أن مثل هذا القرار يُعدُّ دليلاً واضحًا على اهتمام القيادة بالصناعة بشكل عام، الأمر الذي يؤكِّده دائمًا خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- في أكثر من مقام، من منطلق رؤيته المستقبلية الحكيمة، على أن خيارنا الأول في تحقيق تنمية مستدامة واقتصاد متين ومستمر، هو الصناعة وتوطينها، حيث بذل جهودًا جبارة في هذا المجال، وقدم دعمًا كبيرًا ومستمرًا سواء كان ماديًّا أو معنويًّا.
ووصف الجشي، قطاع الصناعات التحويلية بأنّه أفضل موظِّف للعمالة من ناحية الديمومة، بالإضافة إلى أن تأسيس مثل هذه الشركات العملاقة سيعمل على جعل صناعاتنا منافسة عالميَّة في جميع المجالات وعدم حكر منافستها على مجالات محدودة، إلى جانب تأكيد مثل هذه الشركات على زيادة الاهتمام بتنمية الإبداع والابتكار باعتباره ركيزة أساسيَّة في التنمية الصناعيَّة، حتَّى نستطيع تحقيق الصناعة المستدامة، وذلك لما للصناعة من أهمية بالغة، ليس من منطلق ما تدخل فيه من متطلبات الحياة اليومية وحسب، إنما من منطلق دعم الاقتصاد وقيامه ورقيه، فلا يمكن لأيِّ دولة أن تكون ذات اقتصاد قوي دون صناعة وإن اختلفت مجالاتها.
وأكَّد الجشي، أن الصناعات التحويلية المنحدرة من الصناعات الأساسيَّة، تُعدُّ مرحلة من أهم مراحل الصناعة السعوديَّة، وهي ما يجب التركيز عليه بشكل أكبر في الوقت الراهن، حيث سيكون هذا المجال فعلاً مستقبل الصناعة في المملكة، مشيرًا إلى أن الانتقال إلى مرحلة متقدِّمة من الصناعة في المملكة، يتطلب دعمًا أكبر للمدن الصناعيَّة، وإنشاء وتطوير مدن صناعيَّة في مختلف مناطق المملكة تخفف العبء عن المدن الرئيسة، حيث إنه من الضروري أن يعطى المستثمر الوطني أو الأجنبي في المناطق غير الرئيسة من المملكة، امتيازات خاصة لكونه يعمل على توفير وظائف للشباب السعودي، وبالتالي بقاؤهم بجانب عائلاتهم في تلك المحافظات وعدم هجرتهم للمدن الرئيسة طلبًا للتوظيف، إِذْ إنَّه كُلَّما زاد الاهتمام بالصناعة وزاد عدد المصانع، والاهتمام بمخرجات التَّعليم التي تلائمها، زادت عملية التوظيف المستدام للشباب السعودي.
وقال الجشي: «إن المجال الصناعي أصبح اليوم في أغلبية دول العالم سمة التقدم والتطور، وإضافة إلى الاقتصاديات الوطنيَّة لهذه الدول، وبلادنا لم تكن بمنأى عن هذه الدول، وقطعت شوطًا كبيرًا في التقدم الصناعي، ووصلت من خلاله إلى مصاف الدول الصناعيَّة الكبرى في العالم، حيث عملت الدَّولة على تحفيز القطاع الصناعي، والتركيز على تذليل المعوقات التي قد تعترضه، وما زالت على هذا النهج، ومن هذا المنطلق وما للصناعة من أهمية كبرى، وما لها من ثقل في تنمية الاقتصاديات، فمن الضروري زيادة التحفيز المقدم للقطاع الصناعي في المملكة على مختلف مجالاته، وتكثيف الجهود لتذليل المعوقات التي تعترضه، خصوصًا في ظلِّ التسارع العالمي في هذا القطاع الحيوي والفاعل، الذي لا تكمن أهميته في دعم الاقتصاد الوطني ونموه فحسب، وإنما إيجاد وظائف لخريجي الجامعات والمعاهد، الذين يتزايد عددهم يومًا بعد يوم، وذلك لما لهذا القطاع أيْضًا من تشعبات إداريَّة وفنيَّة وتقنيَّة، تخدم معظم التخصصات التي تخرجها الجامعات السعوديَّة في الوقت الراهن».
من جهته، أكَّد الخبير الاقتصادي، سعد آل حصوصة لـ«الجزيرة» أن تأسيس شركة بهذا الحجم سيعمل بدوره على التنوع الاقتصادي الذي ينشده الجميع في الوقت الراهن، خصوصًا وان المكتتبين في هذه الشركة من أكبر الجهات نجاحًا في القطاع الصناعي ليس على مستوى المملكة وإنما على المستوى العالمي أيضًا.
وقال: «إذا استمررنا على مثل هذه الخطوات وتدشين المزيد من المشروعات الصناعيَّة العملاقة والحيويَّة التي تتوزع على مناطق المملكة، التي ستعمل بطبيعة الحال على زيادة النمو الاقتصادي المتوازن في المملكة، سنجد هذه البلاد المباركة في مصاف الدول المتقدِّمة صناعيًّا في مختلف الصناعات، وعملنا على زيادة التنويع في مصادر الدخل القومي وعدم الاعتماد على مصدر دخل واحد ألا وهو النفط.
وأضاف «أن وجود قطاع صناعات تحويلية ناضج ومتكامل سيعمل على تعزيز الاستقلال الاقتصادي وتقليص معدلات استيراد السلع المصنعة بكافة أنواعها، وسيمهد ذلك لتقليص معدلات التبعية التجاريَّة والتكنولوجية للدول الصناعيَّة المتقدمة، بالإضافة إلى أن وجود قطاع صناعي يتولى إنتاج القسم الأعظم من السلع الاستهلاكية والوسيطة والإنتاجية، سيساعد على بناء الأساس المادي للاقتصاد من خلال تنمية باقي فروع وأنشطة الاقتصاد عمومًا، كما أن هذا القطاع قادرٌ على تحقيق الاستخدام الأمثل للقوى العاملة، للقابلية التي يتمتع بها في تحقيق الحراك المهني، ونقل المشتغلين من الأنشطة الصناعيَّة التي ينخفض فيها مستوى إنتاجيَّة العمل أو ينخفض الطلب عليها نحو الأنشطة المرتفعة الإنتاجية، أو التي تشهد ارتفاعًا في الطلب عليها، كذلك يعد قطاع الصناعات التحويلية أكثر قطاعات الاقتصاد ديناميكية، لكونه يمتلك القابلية على تحريك وتحفيز القطاعات الأخرى عن طريق خلق الترابطات الإنتاجية».
وأكَّد آل حصوصة، أن مثل هذه الشركات العملاقة التي من الطّبيعي أن تكون منتجاتها ذات قيمة عالية، ستعمل على جذب التقنيات الحديثة للمملكة، إضافة إلى توفير الكثير من الفرص الاستثمارية في هذا القطاع، مما سينتج عنه تعظيم الفائدة من القيم المضافة، بالإضافة إلى توفر الكثير من فرص العمل المباشرة، لافتًا إلى أن خير دليل على أن تأسيس مثل هذه الشركة سيعطي قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، هو حجم الاستثمارات التي تمَّت في قطاع الصناعات البتروكيماوية والصناعات التحويلية في المملكة، حيث بلغ إجمالي الاستثمارات التي تَمَّ الترخيص لها خلال الأعوام الأخيرة في مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين فقط نحو 146 مليار ريال، بينما تجاوز حجم الاستثمارات القائمة فعليًّا 676 مليار ريال، مما ساهم في إيجاد مزيد من الفرص في قطاع الصناعات التحويلية لتعظيم الفائدة من القيم المضافة لصالح الاقتصاد السعودي.