يستذكر الجميع مؤخراً تفاوت الثروات، بدءاً بالمواطنين، ومروراً بالقادة السياسيين، وخبراء الاقتصاد، وصنّاع السياسات، وقادة الشركات. ولكنّ البساطة في التفكير وعدم الاكتراث غالباً ما يطغيان، للأسف، على هذا الحديث.
سأفضي لكم بأهمّ سرّ في مجال ريادة المشاريع، الذي بات من المتعارف أنّه محرّك النمو الاقتصادي، وهو أنّ ريادة المشاريع الناجحة تؤدّي دوماً إلى تفاقم عدم المساواة محلياً، أقله على المدى القصير، مع العلم بأنّ عدم المساواة بمعناه الأوسع نطاقاً هو ما تقوم عليه ريادة المشاريع بالتحديد، إذ يلجأ أصحاب المشاريع إلى حذقهم وعزيمتهم للنفاذ إلى أسواق جديدة وتوليد ثروة هائلة، بسرعة كبيرة في بعض الأحيان، وعلى امتداد عقود في أحيان أكثر. وفي موازاة ذلك، يكافئ مجال ريادة المشاريع المستثمرين الأذكياء والمتقبّلين للمخاطر، فيحققون عائدات ماليّة تزيد بكثير عن عائدات السوق،
وتجدر الإشارة إلى أنّ ريادة المشاريع – في حال كانت ناجحة - ستشمل دوماً نسبة 1 أو 2 في المئة من النخبة تقريباً.
وقد تتأتى عن ريادة المشاريع الناجحة منافع اجتماعية متعددة، فتحفّز الابتكار، وتسمح باستحداث وظائف، وتحسّن نوعيّة الحياة، وتعزّز الأعمال الخيرية بشكل ملحوظ. ولكنّها قد تجعل تكاليف الإسكان غير ميسّرة، وتوصل إلى زيادات ضريبية وإلى ارتفاع تكلفة الخدمات الشخصية. إلى ذلك، قد تؤدي إلى تجزئة نظامي التعليم العام والصحة، فتمنح الفئة التي اغتنت حديثاً الوسائل الضرورية لتتجنّب كل ما لا يسير على ما يرام. إلى ذلك، قد تسمح ريادة المشاريع بإبعاد جهات مورّدة أو منتجات متوارثة وفيّة، وتجعل أشخاصاً صالحين عاطلين عن العمل، وتؤدي إلى إعادة تنظيم سلاسل الإمدادات، وإلى تشتيت ثروة المساهمين في شركات كانت رائدة وتمّت الإطاحة بمكانتها.
وبالتالي، هل يُعتبر عدم المساواة جيداً أم سيئاً إن كان ناتجاً عن أصحاب المشاريع مباشرةً؟
وفي غياب نظام يضمن حركية تستند إلى الجدارة، قد يتحوّل عدم المساواة إلى آفة معدية ومتفشّية. ولا شكّ في أنّه مع استمرار تراكم ثروة النخبة البالغة نسبتها واحد في المئة، وغياب الأمل لدى نسبة العشرين في المئة من الناس في أسفل الهرم، قد يصبح عدم المساواة راسخاً في التركيبة الاجتماعية، ويبقي الناس عالقين في مكانهم.
إلا أن عدم المساواة قد يكون أيضاً محفّزاً ممتازاً، ويؤجج الطموح ويعزز الإنجازات. فعندما ينطلق صديق لي في ريادة مشروع ويحالفه الحظ ويحقّق النجاح، قد يدفعني الإلهام إلى البحث عن سبل جديدة لتحقيق النجاح كانت تبدو غامضة في ما مضى.
ماذا عسانا نفعل؟ أنا لا أملك الإجابات كلها، ولا أؤمن بوجود دواء لجميع الأمراض. ولكنني متأكد من أن حواراً صريحاً قد يأتي بالفائدة، ومن أن التجاهل الأعمى للواقع، الذي يفيد بأن ريادة المشاريع تتسبّب بعدم المساواة، سيحول دون انتفاع المجتمعات من التأثيرات الإيجابية لريادة المشاريع، ولن يسمح بتخفيف تأثيراتها السلبية. وأنا متأكّد أيضاً من أن إجراءات السياسة التي تحدّ من الطموح في مجال ريادة المشاريع لا تفيد مطلقاً. وإن كنّا نريد ريادة المشاريع، فسنضطر إلى مواجهة عدم المساواة.