Sunday 23/03/2014 Issue 15151 الأحد 22 جمادى الأول 1435 العدد

ما بين الإعلام والتربية: محاضرة بقلم خالد المالك

متابعة - عبدالله الفهيد:

بدعوة من منتدى قرطبة التربوي التابع لمكتب التربية والتعليم بقرطبة، وبحضور مدير عام التربية والتعليم بمنطقة الرياض الدكتور إبراهيم المسند وعدد من رجال التربية والتعليم والإعـلام ألقى الأستاذ خالد المالك محاضرة بعنوان: (ما بين الإعلام والتربية)، تساءل فيها عن: ماذا يريد التربويون من الإعلاميين؟.. المحاضرة ألقيت مساء يوم الأربعاء الماضي في فندق الـ(هوليدي إن الأزهار) بقاعته الرئيسة الكبرى، وفيما يلي نصها:

قبيل مجيئي إلى هنا، تساءلت هل هناك إمكانية لشراكة بين وسائل الإعلام والتربية في مدارسنا وجامعاتنا، وزدت على ذلك بتساؤل آخر، ما طبيعة العلاقة التي تجمع بين التربية والإعلام، ثم وأنا أطرح على نفسي مجموعة من التساؤلات قبل الدخول في الموضوع، تساءلت أيضاً هل مثل هذه العلاقة - إن وجدت - تمثِّل جانباً إيجابياً أم سلبياً أو أنها بين بين، وهكذا وجدت نفسي أسير مجموعة من الأسئلة، وإجابات افتراضية عليها، وقلت إن مثل هذا الموضوع سبق وأن عقدت من أجله الكثير من الندوات، وألقيت ضمن إطاره عدد من المحاضرات، وكتب الكثيرون عنه، وما زال الحديث عنه وفيه طرياً مكرراً ومعاداً من حين لآخر.

ولعل بعضكم قد شغله الموضوع، وحاول إما فك التناقض بينهما، أو أنه تصرّف على النحو الذي يقرّب المسافة بينهما، كما لو أنه ساهم ويساهم في إبقائه حياً وجديراً بالمناقشة والحوار بأمل الوصول إلى تقارب ولو كان نسبياً بين من هو مع هذه العلاقة أو متردد في موقفه منها.

* * *

أذكر قبل أكثر من ثلاثين عاماً أنني دُعيت إلى ندوة كان موضوعها يحوم حول هذا الموضوع على شكل تساؤل كان عنوانه ماذا يريد التربويون من الإعلاميين إن لم تخني الذاكرة، وكانت النتائج بكل تفاؤلات المشاركين فيها آنذاك قد انتهت دون الوصول إلى حسم مقنع للطرفين، وبالتالي ها نحن نعود هذا المساء إلى الموضوع من جديد، لأن فك التناقض، أو لنقل عدم وجود صيغة للشراكة لا يزال قائماً، برغم وجود قواسم مشتركة يمكن البناء عليها لإيجاد صيغة مناسبة للتعاون بما يفيد الجانبين.

* * *

ولا بأس أن يعاد بحث هذا الموضوع، لأهميته أولاً، ولأن الإعلام بكل وسائله يجب أن يكون في خدمة التربية بجميع مستوياتها ثانياً، ضمن الأسلوب الأمثل الذي لا يلغي أو يهمّش رسالة وسائل الإعلام ومنهجها ووظائفها الأخرى التي تتنوَّع من السياسة إلى الاقتصاد ومن الرياضة إلى الفن والثقافة، فضلاً عن الأخبار والتحقيقات والمقالات وغيرها كثير، مما قد لا يلامس موضوع التربية وأحياناً ربما لا يتفق ما ينشر مع مفهوم التربويين لهذه الشراكة المفترضة بين الإعلام والتربية.

* * *

وإذا كان ما يميز المؤسستين الإعلامية والتربوية معاً يتمثَّل في أن كليهما طرف مرسل لخطاب، وأنهما ينشدان متلقياً متحفزاً للمعرفة وذا قابلية عالية للتفاعل مع محتوى الرسالة كما يقول محمد الجموسي في مقال له في مجلة الإذاعات العربية، فإن هذا يعني في مجمله أن نقطة التلاقي يمكن العثور عليها أو الوصول لها، ضمن تكثيف الحوارات والمناقشات والندوات من الجانبيين، اعتماداً على إمكانية تحقيق هذه الشراكة، خاصة إذا ما أحسن اختيار أصحاب الرؤى والفكر والوعي بهذه الرسالة، وتأكد للمعنيين بأنهم يملكون الأدوات التي يمكن من خلالها ترجمة هذا التوجه الجميل بالاتفاق على خطى وخطوات يمكن تحقيقها، لا الاكتفاء بتجميل العلاقة دون توفر فرص النجاح لها.

* * *

نعم لا يمكن للعملية التربوية أن تحقق أهدافها وتصل إلى السقف الذي يكرس نجاحها من دون مشاركة إعلامية، وهذا ما عبر عنه وزير التربية الأسبق الدكتور محمد الأحمد الرشيد - رحمه الله - حين قال في إحدى الندوات الإعلامية من أنه لا سبيل أمامنا على الإطلاق لتحقيق رسالتنا التربوية إلا بأن نتعاون مع الإعلام، وأن توظف تقنية الإعلام في سبيل إبقاء رسالتنا الإعلامية، وزاد على ذلك بالقول بأنه لا سبيل للإعلام أن يحقق الرسالة الإعلامية إلا من خلال توظيفنا كذلك نحن التربويين، لكن السؤال: كيف لنا أن نقرب وجهات النظر، ونصل إلى توافق حول آلية التطبيق التي من خلالها يمكن للقيادات والمختصين في المؤسسة التعليمية والتربوية ومثلها المؤسسة الإعلامية أن يعبروا هذا النفق إلى فضاء رحب وأوسع.

***

إن متطلبات التربية من الإعلام كثيرة ومهمة، يقابلها ما يماثل ذلك لدى الإعلاميين، مع أن الإعلاميين هم خريجو المدرسة التربوية والتعليمية، بل إن المتميزين والرواد والقيادات الناجحة في الإعلام هم نتاج بيئة تربوية وتعليمية، ولا يختلف اثنان حول ذلك، وهو ما يعني أن فرصة التقارب بين الجانبين ممكنة إذا ما توفرت الإرادة والعزيمة والإصرار على بلوغ هذا الهدف، لأن أخطر ما يمكن أن يؤثر على سلوك وتوجهات الشباب هي وسائل الإعلام التي تبث الجيد والرديء على مدى الأربع والعشرين ساعة في اليوم، بمعنى أنه يتعلم منها أكثر - ربما - مما يتلقاه في مدرسته أو جامعته، مما يعني أهمية أن يتم التواصل والتفاهم على دور لهذه الشراكة بين التربية والإعلام.

* * *

أفهم أننا أمام قضية شائكة، وحلولها ليست سهلة، وتطبيقها لا يأتي بقرار، لكننا إذا ما شعرنا في البيت والمدرسة والمؤسسات الأخرى وبخاصة الإعلامية منها بخطورة ما تلفظه بعض وسائل الإعلام من سموم وأفكار تقوِّض ما تعلمه الشباب في مدرسته وتربى عليه في بيته، الأمر الذي يجعل من هذه الجلسة -وهي الأولى التي تبحث عن رابط يمكن تحقيقه ما بين الإعلام والتربية- أمراً في غاية الأهمية، ما يعني أن منتدى قرطبة التربوي، قد أحسن في اختيار الموضوع وطرحه للنقاش، مما يفتح أمام المنظمين فرصة لاستمرار إحياء الذاكرة لدى المجتمع بأهميته وخطورته في آن واحد.

* * *

يقول علي فخرو في بحث نُشر له في صحيفة الوسط البحرينية عن الإعلام في مواجهة التربية، إن التناقض بينهما كان ولا يزال ظاهرة تقلق المسؤولين في الجانبين، فعبر العقود الماضية انطلقت أصوات في مختلف المؤسسات العربية كالمنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة أو مكتب التربية لدول الخليج العربية تدعو إلى قيام تنسيق وتكامل بين وسائل الإعلام والمؤسسات التربوية، وقد عقدت الكثير من اللقاءات لشرح ما يريد التربويون من الإعلاميين وبالعكس من دون أن تتمخض تلك اللقاءات عن آلية تنفيذية تؤدي إلى قيام تنسيق حقيقي ودائم وتكاملي بين الحقلين، والنتيجة أننا ما زلنا نعيش حالة التصادم أو القطيعة بين الخطابين الإعلامي والتربوي، أي أن نظرة الباحث التشاؤمية - كغيره من الباحثين - لم تتغيّر رغم مضي كل هذه السنوات في البحث والمحاولات لإيجاد تكامل يلغي التناقضات في التعامل مع قضية على هذا المستوى من الأهمية، ولعل عذره كغيره من الباحثين أنه لم يلمس أي تقدم في طريق إيجاد حلول مقنعة للراغبين في الوصول إلى حلول يمكن تطبيقها في ما يمكن تسميته بالعلاقة التربوية - الإعلامية.

* * *

وربما تساءل بعض الحضور، لماذا لا يكون لدينا إعلام تربوي متخصص، يقوم بهذه الرسالة، وربما نجح فيما فشلت فيه وسائل الإعلام العامة، بافتراض أن الإعلام المتخصص هو الأقدر على مواجهة هذه المشكلة، غير أن التجارب مع الإعلام المتخصص في جميع حقوله لم يستطع أن يستقطب جمهوراً كما هو في الإعلام غير المتخصص، وبالتالي فإن فكرة كهذه وإن بدأت جذابة ومقنعة في شكلها وظاهرها، فإن التأكد من نجاحها مشكوك فيه، بل أستطيع القول إن كثيراً من الإصدارات المتخصصة صاحبها الفشل واحتجبت عن الصدور، ومن بقي منها فإنه يصارع الموت ويعاني من مشاكل مالية وتسويقية ومهدّدة في أي وقت بالتوقف عن الصدور.

* * *

ما أريد أن أصل إليه، أننا مع علاقة متميزة ومتوازنة بين الإعلام والتربية، وعلينا أن ندفعها إلى الأمام ضمن حماسنا لتكاملها ونجاحها، لكن علينا أن نكون واقعيين فلا نتفاءل بالكثير مما تشير إليه التجارب والنتائج التي تمخضت عنها المؤتمرات والندوات والتفاهمات، وأنا هنا لا أدعو إلى التوقف عن البحث في هذا الموضوع وإعطائه الزخم المناسب من حين لآخر، ولكني فقط أريد ألا نصاب بالإحباط إذا ما تبيَّن لنا أن مشوار النجاح يحتاج إلى مزيد من الجهد والعمل والتعاون، وصولاً إلى ما نتمناه جميعاً من أن التربية الصالحة والمفيدة يجب أن تسود كل أفراد مجتمعنا في سلوكهم وتصرفاتهم وعلاقاتهم، وأن أي فشل لا ينبغي أن يثنينا عن مواصلة الجهد والحماس، بل يجب أن يكون دافعاً لقبول التحدي الإيجابي المبني على رؤية سليمة وصحيحة في هذا الاتجاه.

* * *

على أن الإعلام التربوي كما يعرِّفه حسني الجبالي، هو استخدام أساليب التكنولوجيا الاتصالية الحديثة كافة؛ المسموعة والمرئية والمنشورة واللقاءات الميدانية لتوعية المواطن، ومده بكافة الآراء والمعلومات والخبرات والاتجاهات والمعتقدات، التي من شأنها أن تمس ناحية من النواحي التربوية أو الاجتماعية أو التعليمية، وكذلك التناول الإعلامي للمشكلات الاجتماعية والظواهر المرضية بشكل مباشر من خلال الاتصال الشخصي أو غير المباشر من خلال الاتصال الجماهيري. ويعلّق صلاح أبو أصبع على هذا التعريف بأن هذا المفهوم يأخذ باعتباره الدور الخطير الذي تمارسه وسائل الإعلام تجاه المجتمع، ومدى مساهمة هذه الأجهزة نحو خدمة قضايا التربية وتربية المواطنين، انطلاقاً من أن التربية الصحيحة والإعلام الصحيح لا بد أن يلتقيا في منتصف الطريق لتحقيق غايات تسهم في تقدم المجتمع وأفراده، وأنا أقول في نهاية مشاركتي في هذا الموضوع: مَنْ مِنا لا يحبذ أن يلتقيا ولو في منتصف الطريق، الحلول والمقترحات جاهزة، لكن المشكلة تأتي عند التطبيق وفي التنفيذ.