إن لله أقواماً اختصهم لقضاء حوائج الناس يقصدهم الناس لقضاء حوائجهم سخرهم الله لمساعدة الآخرين فنذروا أنفسهم طواعية رغبة في فعل الخير والمعروف لا يرجون جزاءً ولا شكوراً إلا ما عند الله الأجر.. فتجد ذلك الإنسان يسعى من تلقاء نفسه ليساعد غيره ويهتم بشؤونه ويحرص عليه كأنه يخدم نفسه أو أحد قرابته وقد لا تربطه به أي صلة أو قرابة غير الأخوة في الله وهذا الشعور الإنساني النبيل قد وقر في قلبه مدلول الأخوة الإيمانية والعقيدة الإسلامية الصافية والقلب السليم يدفعه لذلك رجاء المثوبة من الله عز وجل، قال الشاعر:
«الناس للناس من بدو وحاضرة
بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم»
ومن صفات المؤمنين الرحمة فيما بينهم والتعاون على الخير وعطف بعضهم على بعض قال صلى الله عليه وسلم: «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته»، ومن سخر نفسه لخدمة إخوانه أصحاب الحاجات فإنه امرء منحه الله حسن الخلق وأعطاه تواضعاً وبشاشة جمع الله له ذلك كله في صورة إنسان يتحلى بصفات المؤمن الحق الذي يحب لأخيه ما يحبه لنفسه فقام بما أمره به دينه الإسلام الحنيف فكسب محبة الناس وتقديرهم وثناءهم عليه والدعاء له بكل خير.. قال الحق سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} فهذه الآية الكريمة تطلب منا حب الخير لإخواننا والتعاون معهم ومساعدتهم في كل ما يحقق لهم ما يبتغون من خير والتيسير عليهم ودفع كل بلاء وشدة عنهم كما أن من أخلاق المؤمنين التعاون فيما بينهم قال تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، وشعوراً من ذلك الإنسان بالأخوة الإيمانية النابعة من قلب المؤمن وهي الأخوة الصادقة والرابط القوي بين المؤمنين التي وصفها الله عز وجل بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} قال رسول الهدى والرحمة عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» وجعل من نفعه للآخرين خيريه يمتاز بها فكان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «خير الناس أنفعهم للناس». قال الشاعر:
«وأفضل الناس ما بين الورى
رجل تقضي على يده للناس حاجات»
إن تلك الصفات لا تأتي إلا بترويض النفس على حب فعل الخير ونبذ حب الذات والأنانية والحقد والحسد فلا مروءة إلا بصبر قال تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} وما ذلك الشعور العظيم إلا من نفس عظيمة ترفعت عن حب الذات والأنانية والبخل فالبخيل من بخل بجاهه، وما يكون أحد متحلياً بالمزايا الفاضلة وبتلك الصفات الحميدة إلا إنسان كريم حقاً وليس كل إنسان لديهم تلك الملكة وتلك المزية ولكنها منحة من الله يهبها لمن وفق من عباده وحرم منها المسكين الذي حرم نفسه تقديم العون والمساعدة لإخوانه وهو يقدر وباستطاعته فعل ذلك فطوبى لعبد جعله الله مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر وكان الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، فتجد ذلك الإنسان الساعي في حاجة أخيه سعيداً مستبشراً كأنما قضى حاجة لنفسه هو.. ويحمد الله أن جعل حاجة الناس إليه لا حاجته إليهم وإن كان كل منهم مكملاً للآخر ولكن سخر الله بعضنا لبعض!! فبخل بها من بخل من الناس حارماً نفسه من فعل الخير والدعاء له فمن وفق لخدمة إخوانه فاليشكر الله على نعمته وليثابر عليها (فمن يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب المعروف بين الله والناس).. فانظر أخي المسلم أيّ نوع من البشر أنت وهل أنت محب لفعل الخير وباذل للمعروف ومساعد لإخوانك والذين هم في حاجة لتقديم العون لهم مهما كان موقعك ووجاهة عملك حتى ولو بالكلمة الطيبة وبشاشة الوجه أم أنت ممن تثاقل عن فعل البر والإحسان ولم يقف مع إخوانه في تسهيل أمورهم ومساعدتهم فحرم نفسه من خير كثير قال تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة».. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ولكل خير وصلاح إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.