Tuesday 18/03/2014 Issue 15146 الثلاثاء 17 جمادى الأول 1435 العدد

بعد تقصير البنوك التجارية في «ردم فجوة» الكوادر المصرفية المتخصصة في «الصيرفة الأخلاقية»

مؤسسة دولية تُهدي صناعة المال الإسلامية معياراً ذهبياً لتطوير رأس المال البشري

الجزيرة - الرياض:

لم يكن بخاطر «سيندو اوبري» ، القادم من ساحل العاج الإفريقي، أن يجد نفسه يوما من الأيام يعمل لصالح مؤسسة دولية تنشر مبادئ المالية الإسلامية. فقبل سنتين، قرر سيندو أن يتخلى عن عمله ذي الدخل الرفيع مع بنك «سوسيته جنرال» الفرنسي وذلك من أجل الانخراط في تجربة جديدة عليه وفي مؤسسة تنموية دولية لم يعرف عنها إلا أن بلده الأم أحد المساهمين في رأسمالها. سيندو لم يكن وحده، بل كان بمعيته زملاء من جمهورية جزر القمر وأذربيجان الذين قرروا أن يدخلوا «معتركا عالميا» مع 700 منافس دولي وذلك من أجل الترشح لـ13 مقعدا شاغرا ببرنامج يستهدف المصرفيين التقليدين الذين يعملون في مناصب إدارية عليا.

وبالفعل نجحت المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص، عضو مجموعة البنك الإسلامي للتنمية، في اختيار «صفوة الصفوة» بمعدل شخص واحد من بين كل 53 متقدما لبرنامجها المعروف بـ(IFTDP ). لينتج عن ذلك تنوع جغرافي بني على أساس كفاءة وخبرة المتقدم، وذلك بعيدا عن أمور المحسوبية التي نشاهدها في بعض بنوكنا الخليجية. وكان من ضمن من وقع عليهم الاختيار الزميل محمد الخنيفر، الذي استقطبته «مؤسسة الجزيرة» قبل سنتين من أجل كتابة زاوية أسبوعية تثقيفية تتعلق بالجانب المصرفي. ولمع صيت الزميل الخنيفر، بحسب سيرته الذاتية في موقع التواصل الاجتماعي للمهنيين

«لينكد ان» (Linkedin ) في أواخر 2011 عندما أجرت معه صحيفة الفايناشال تايمز ووكالة بلومبرج العالمتين مقابلات معه على خلفية صكوك مصرف جولدمان ساكس الامريكي المثيرة للجدل.

ويعد النقص في رأس المال البشري المؤهل من أخطر التحديات التي تواجه صناعة التمويل الإسلامي في وقتنا الحالي. ودائما ما ضربت مجموعة البنك الإسلامي للتنمية مثالا رفيعا لصناعة المال الإسلامية في كيفية تطوير ودعم رأس المال البشري الذي يفتقد لتلك البرامج المتخصصة في المالية الإسلامية. لتبرهن المجموعة لجميع العاملين في الصناعة أنها تحمل في طياتها رؤية استراتيجيه بعيدة النظر.

ومؤخرا احتفلت المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص بانتهاء الفوج الأول من برنامج (IFTDP ) الموجه والمصمم للمهنيين المصرفيين الذين يعملون في مناصب قيادية ويحملون معهم شغف الريادة في العمل المصرفي.

وتهدف «المؤسسة الإسلامية» من جعل برنامج (IFTDP ) بمثابة «المعيار الذهبي» لتطوير رأس المال البشري في التمويل الإسلامي.

ويرتكز البرنامج على مبدأ التناوب من خلال ثلاثة تعيينات مدتها ثمانية أشهر داخل إدارات ووحدات مجموعة البنك الإسلامي للتنمية مع متابعة تدريب شامل في مكان العمل مدته عامان، يحصل بعدها المتدربون على شهادة مهني معتمد في التمويل الإسلامي تمنحها جامعة (INCEIF)

ويهدف البرنامج إلى تكوين مجموعة من المديرين التنفيذيين في التمويل الإسلامي القادرين على قيادة هذه الصناعة في المستقبل.

وفي هذا الصدد، صرح خالد العبودي، الرئيس التنفيذي والمدير العام للمؤسسة: « انصب تركيز مجموعة البنك الإسلامي للتنمية على تكوين مهنيين تنفيذيين متخصصين وعلى مساعدة المؤسسة في تشكيل فرص مختلفة لصالح المؤسسة».

ويتماشى برنامج (IFTDP ) مع «برنامج المهنيين الشباب» (YP) للبنك الإسلامي للتنمية والذي أطلق منذ أكثر من عقدين من الزمن، لجذب المواهب ذات الكفاءات العالية من مختلف أنحاء العالم عبر تقديم رواتب ومزايا مهنية واجتماعية مشجعة وتمكينها من الاستفادة من الأنشطة المختلفة لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية من خلال العمل في مختلف الإدارات. ودائما ما تعول مجموعة البنك الإسلامي للتنمية على مواهبها من الطاقات الشابة من أجل المساهمة جنبا إلى جنب مع المصرفيين ذوي الخبرة العالية وذلك من أجل دفع عجلة التنمية بدول العالم الإسلامي. ويدرك العاملون في الصناعة أن بعض الجامعات العالمية ستلعب دورا مهما في معضلة سد فجوة الكوادر البشرية المؤهلة القادرة على قيادة الصناعة. يقول داود فيكاري عبد الله رئيس المركز الدولي لتعليم التمويل الإسلامي(INCIEF), وهي جامعة ماليزية دولية متخصصة في برامج التمويل الإسلامي, وحدها «ماليزيا أدركت قبل سنوات أن التمويل الإسلامي يواجه عقبة كبيرة هي نقص رأس المال البشري المؤهل.»

وأضاف عبد الله «حين أسسنا الجامعة سنة 2006 كنت أنا الرئيس التنفيذي لبنك إسلامي في ماليزيا. التحدي كان أن الصناعة تسير بسرعة كبيرة جدا وتساءلنا: من أين نأتي بالموارد البشرية للمناصب العليا؟ ومن هذه المناقشات ولدت الجامعة.» ولا يقتصر نقص رأس المال البشري على مصرفي المالية الإسلامية ، بل إنه يشمل فقهاء الصيرفة كذلك.

يشار إلى أنه لا يوجد في الوقت الحاضر عملية تدريب أو تخريج عالمية معيارية إذا أراد الطالب أن يصبح فقيهاً شرعياً. ويمكن للفقيه الشرعي أن يأتي من مدرسة في إحدى القرى الصغيرة في جنوب آسيا أو أن يحمل شهادة عليا من جامعة الأزهر.

كما أن هناك ندرة في عدد الفقهاء الذين حصلوا على نصيب من العلم في جميع المجالات. يقول خبراء المصرفية الإسلامية إن الجيل الأول من الفقهاء وضع الأسس اللازمة لإنشاء الأعمال، لكن كثيراً من الفقهاء ما يزالون يفتقرون إلى الخبرة القوية في عالم الأعمال والتكنولوجيا والمهارات اللغوية اللازمة لمساعدة الصناعة على التطور.

وقال مصرفي يعمل في المصرفية الإسلامية في الخليج العربي طلب عدم الكشف عن اسمه لرويترز: «كثير من الفقهاء ثابتون على مناهج محدودة وبالتالي لا يساهمون في تقدم الصناعة إلى الأمام. والفقهاء الذين يتمتعون بالمهارات اللازمة منتشرون ومتفرقون. بالتالي فإن الأمر يقع على عاتق الجيل المقبل من الفقهاء في سبيل تحقيق القدرات الكامنة للمصرفية الإسلامية.»

لكن يمكن لهذا الوضع أن يتغير في الوقت الذي يجري فيه إعداد المزيد من البرامج العالمية لمساعدة تطوير صناعة المصرفية الإسلامية من خلال تدريب الجيل المقبل من الفقهاء الشرعيين في سبل وطرق الأعمال .

الجدير ذكره أن سنغافورة, القادم الجديد في صناعة المال الإسلامية, قد أعلنت قبل سنتين عن تقديم حزمة مالية لدعم رأس المال البشري من الطاقات الشابة التي تنوي التخصص في دراسة علوم المالية الإسلامية.

حيث أدرك البنك المركزي السنغافوري أن هناك نقصا حادا في الكفاءات البشرية المتخصصة في المالية الإسلامية في إشارة من هذا الجهاز إلى محاولة الدولة الآسيوية إلى تدارك الوضع وتنمية قاعدة مواردها البشرية.

ولتلافي تلك المعضلة المستقبلية, تقدم هيئة النقد السنغافورية (البنك المركزي) منح دراسية للطلاب السنغافوريين الذين ينوون دراسة الصرافة الإسلامية.

وتشكو الصناعة الإسلامية في الخليج من ندرة المتخصصين و غياب الأطر البحثية الفنية والأطر التدريبية المتخصصة.

الأمر الذي يطرح تساؤلات عن الرؤية الإستراتيجية لتنمية أسس الصناعة المالية الإسلامية من قبل البنوك المركزية.