إن اختلاف الرأي أمر طبيعي، وظاهرة صحية؛ تثري المجتمع بأفكار ناضجة. ولكن لسوء الحظ، الواقع يشهد أن اختلاف الرأي في المجتمع المسلم يتحول في أغلب الأحيان إلى شكل من أشكال النزاع الفكري الذي يشبه الحرب الباردة (التنافس والندية) بين أصحاب التيارات الفكرية؛ وذلك يرجع أولاً إلى الانطباع المسبق الذي يُكَونه كل طرف عن الطرف الآخر؛ فيتسبب في انسداد مبكر لقنوات الحوار الثقافي قبل البدء الفعلي للحوار. وثانياً: تفادي التغريد خارج السرب.
وثالثاً: الجهل أو التجاهل بحاجة المجتمع إلى الرأي الآخر. ولذلك غاب الحوار الموضوعي الذي يهدف إلى الوصول إلى الحقيقة نتيجة للتحزب الفكري الذي جعل صاحبه يدافع عن موقفه بتعصب.
وقد نشأت ثلاث مدارس فكرية رئيسة في المجتمع السعودي: الأولى: هي مدرسة الفكر التقليدي التي ترتكز على الموروث، وتؤمن بعقيدة التطابق الفكري معه، وترفض الرأي الآخر، وتعتبر ظهوره في المجتمع يقتضي وقوع المفسدة. والمدرسة الثانية التي تُؤمن بأهمية العلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمع، وتتقبل الخلاف الفكري على أنَّه منتج حتمي يتضمن قوة إيجابية في المجتمع. والمدرسة الثالثة التي تُشجع وتُنمي مبدأ اختلاف الرأي لاعتقادها أن التطابق الفكري مع الموروث، عندما يسود في المجتمع، يتسبب في تفشي التقليد الأعمى والتواكل بين أفراده، ويُفضي إلى الثبات والجمود؛ لذا تُؤمن المدرسة الثالثة بأن منهج اختلاف الرأي المعروف بـ(التفاعلي) ليس مجرد قوة إيجابية فاعلة في المجتمع فحسب، بل قوة دافعة للحراك الفكري الذي يتغلب على معوقات الإبداع، وقوة مُشغلة لمعامل الفكر التي تُنتج الحلول المبتكرة.
وتختلف مُخرجات المدارس الفكرية الثلاث عن بعضها؛ فالفريق الأول تقليدي، ويَحرص على تجنب مستحدثات العصر الحديث؛ لما يرى فيها من اختلاط الحلال بالحرام.
والفريق الثاني يُؤيد الحداثة؛ فيرغب استيراد مستحدثات العصر الحديث من الشرق والغرب، والاستفادة منها في الأمور الدنيوية التي لا تتعارض مع الدين أو علاقة الإنسان بربه. والفريق الثالث يَحرص على التنمية، ويوظف مستحدثات العصر الحديث لبناء مستقبل الأجيال.
ويمكن تجسيد المجتمع السعودي بشخصيات ثلاث: البعض يخشى زهرة الدنيا فيعمل لآخرته كأنه يموت غداً. والبعض الآخر يؤيد الحداثة فيعمل لدنياه كأنه يعيش أبداً. والثالث تفاعلي، يعمل لآخرته كأنه يموت غداً، ويعمل لدنياه كأنه يعيش أبداً.
الخلاصة:
إن تحقيق نتائج ملموسة بواسطة الحوار مع الآخر ليس مجرد قُدرة إيجابية فحسب، وإنما قُدرة تفاعلية يحتاج إليها أصحاب المدارس الفكرية المختلفة من أجل تحقيق هدف مشترك، هو عمارة الأرض.