يحث ديننا الإسلامي على اتِّخاذ الإنصاف منهجاً والعدل طريقة. وللحياة الاجتماعية ظروفها التي تحكمها. والمُشاهَد أن بعض الكُتَّاب تدفعهم، أحياناً حماستهم لفكرة مُعيَّنة إلى تعميم أحكامهم على أمر من الأمور لإثبات صحة تلك الفكرة.
ولو تَأمَّل أحدهم حكمه تَأمُّلاً منصفاً لما عَمَّم هذا الحكم. وموقفهم هذا شبيه بموقف بعض المستشرقين الذين يعتمدون على روايات ضعيفة، ويُهمِلون الروايات القوية؛ وذلك للبرهنة على ما أرادوا سلفاً تقريره من آراء وأحكام.
وكما يحدث ذلك من بعض الكُتَّاب يحدث، أيضاً، من بعض المُتحدِّثين في المجالس الاجتماعية ذات الصبغة الثقافية. ومن الواضح أن من أهداف ذلك هو التحريض على تَبنِّي الفكرة التي يريدون أن تسود في المجتمع. ومن أمثلة ذلك ترديدهم القول: لولا أن قيادة وطننا الرشيدة فتحت المدارس لتعليم البنات بالرغم من معارضة المجتمع السعودي لذلك لما وصلت المرأة السعودية إلى ما وصلت إليه من تَعلُّم يُحمَد الله عليه ويُشكَر، ويُقدَّر للحكومة ما هيأته وتُهيئه. فما مدى انطباق ذلك القول مع حقائق الواقع؟ ومن ذلك ما يُردِّده أعداء وطننا ومنهجه من خارج هذا الوطن، والنادر النادر ممن هم رسميّاً من المواطنين، من تكفير للآخرين.
المُتأمِّل في كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله، ورسائله يجد أنه يخاطب فيها الرجل والمرأة، وأن كُلاًّ منهما مطالب بِتعلُّم ما هو ضروري أن يعلم من الدين؛ عقيدة وأركان إسلام، ويرى المُتأمِّل في تلك الكتب والرسائل أنه عارض بشدة ما كان يلحق المرأة من حيف نتيجة ما كان مُتَّبعاً من جعل نصيبها من الوقف مرهوناً ببقائها على قيد الحياة فقط بحيث يمنع أولادها من أن يرثوا ذلك النصيب. ولأنه كان يعارض ذلك المُتَّبع الحائف سمَّاه: «وقف الجنف».
ولقد كانت الطفلة قبل فتح الحكومة المدارس في الوطن لتعليم البنات رسميّاً تَتعلَّم تلاوة القرآن الكريم وتحفظ بعض سوره؛ لاسيما قصار المُفصَّل، في مدارس خاصة؛ مثل البنت في ذلك مثل الابن وإن بصورة أَقلَّ. ولم يكن المجتمع، على العموم، معارضاً لذلك. وأذكر أن عمة جدتي لأمي، رحم الله الجميع، كانت لديها مدرسة تُدرِّس فيها بعنيزة، ثم انتقلت إلى مكة، وفتحت مدرسة هناك. وأذكر، أيضاً، أن زوجة عَمِّي سليمان، رحمهما الله، كانت تقرأ وتكتب بدرجة لا بأس بها.
ثم أتت النقلة الكبرى في تعليم المرأة حين وُفِّقت الحكومة - زادها الله - توفيقاً - إلى افتتاح مدارس للبنات يتعلَّمن فيها ما يَتعلَّمه البنون. وعُهِد بالإشراف عليها - عند افتتاحها - إلى أعلى شخصية مقاماً في العلوم الشرعية من الناحية الرسمية؛ وهو الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، رحمه الله، فهل عارض المجتمع السعودي تعليم المرأة؟
ما ظهر علناً وبوضوح عند افتتاح مدارس البنات رسميّاً أن فئات من ثلاث بلدات في نجد - وليس كل أهل تلك البلدات الثلاث - هي التي عارضت افتتاح تلك المدارس. وبذلك يَتَّضح أن القول بأن المجتمع السعودي عارض تعليم المرأة قول لا يستند على أساس صحيح. وإذا كان الأمر كذلك فهل يجوز استمرار ترديد الكلام غير الصحيح؟