لا يمكن أن يتم تشويه الإسلام بأسوأ مما تفعل منظمات العنف، مثل القاعدة وأخواتها، وخصوصاً داعش، وغيرها من تنظيمات الإرهاب والإجرام في سوريا حالياً. فاللقطات المصورة، التي يتناقلها الناس عن عمليات القتل وقطع الأطراف، كفيلة بالقيام بالمهمة التي كان سيتجشمها أعداء الإسلام لتشويه صورته. ومع أننا قرأنا في كتب التراث الإنساني عن جز الرقاب بالسيف، وبالمقصلة، وعن التعذيب عن طريق قطع الأطراف، والحرق، لكننا أبداً لم نتوقع أن نرى ذلك موثقاً بالصوت والصورة، في القرن الثاني والعشرين!
ولمن كان قلبه قاسياً، وتمكن من رؤية ما يُنشر على اليوتيوب من جرائم ضد الإنسانية، ترتكبها التنظيمات الإرهابية على أرض الشام، فإنه يبدو واضحاً أن هناك مسوخاً تعيش في زمان غير زمانها، فحسبهم من الإسلام أن يطبقوا من تعاليمه ما يرون أنه تم تهميشه؛ إذ المهم هنا تطبيق ما يرونه حدًّا شرعيًّا، دون النظر لفقه الضرورات، وفقه الواقع، وتغير الظروف، ومصلحة الأمة والدين. ولا أظن أن وحوش داعش تخفى عليها حالة الفقر المدقع الذي يعيشه السوريون، كما لا أظن أنه يخفى عليهم أن الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عطَّل حد السرقة في عام الرمادة، كما أنه توقف عن تطبيقه على من سرق بسبب الجوع. وكم كان مرعباً مشهد قطع يد ذلك السوري البائس، وربما كان الخافي أعظم، وأشنع.
الغريب في الأمر أن وحوش التنظيمات الإرهابية رفعوا لوحة كتب عليها (لا إله إلا الله، محمد رسول الله)، وذلك في ساحة تنفيذ القصاص، وكأنهم يمعنون في تشويه هذه المعاني المكتوبة، وبالتالي تشويه الإسلام. والأغرب هو أنهم لم يكتفوا بلباسهم الذي يبدون من خلاله وكأنهم في مسرحية تاريخية، ولا في مظاهرهم المتوحشة، والبعيدة عن كل معاني الرحمة، والعفو، بل إنهم أجبروا بعض الأطفال على حضور تنفيذ القصاص، وكان منظر ذلك الطفل البريء، وهو يحاول إغماض عينيه من هول الموقف، ومن حالة الرعب التي كان عليها، مؤذياً للنفس السوية. ويؤمن هؤلاء - حسب أدبياتهم - بأنهم يساهمون في نشر الإسلام!! وكان المشهد الذي لفت الأنظار هو أن هذه الوحوش البشرية، التي تتعبد الله بكره الغرب الكافر، حسب زعمها، كان معظم أفرادها يحمل جهاز جوال آخر موديل، صنعه ذات الكفار، ومنهمك في تصوير مشهد تنفيذ حد السرقة!! وهنا يتجلى الفارق بين من يصنع التقنية لخدمة البشرية، ولنشر القيم الإنسانية السامية من خلالها، وبين من هو دون ذلك، ولكن لله في خلقه شؤوناً!