يقدم لنا فيلم «نيبراسكا» الكثير من المشاهد السينمائية المعبرة، التي تستعرض الماضي من خلال الحاضر ومن دون أيّ استخدامات رخيصة للفلاش باك. من المبهر في قصة كهذه أنه سبق لنا جميعاً التعاطي معها في حياتنا أو سوف نمر حتماً بنفس التجربة، في الفيلم يستعرض لنا المخرج الرائع ألكسندر باين قصة كلاسيكية لرجل مسن يقرر الرحيل لولاية نيبراسكا البعيدة عن منزله، من أجل الحصول على جائزة من قبل أحد شركات الإعلان والتي ترسل عدد من الإعلانات مع وعود تبدو وهمية من أجل الفوز بجائزة مالية تصل لمليون دولار. زوجة هذا الرجل المسن تحاول دوماً الانتقاص منه فبينها وبين مرحلة صعبة ومتوترة من علاقة زواج دامت طويلاً وشابها العديد من التخبطات والمشاجرات، بينما نجد ابنه يعمل جاهداً من أجل تحقيق رغبه أبيه المسن ولو كانت الفرص ضعيفة. تواصل العائلة رحلتها الطويلة وتقف في منتصف الطريق في أحد القرى البائسة من أجل زيارة أقرباء لهم لنشهد إعادة لشريط ملفت من الذكريات، ومواقف طريفة من قبل أهالي تلك القرية المتوقفين لحد معين من نمط التفكير وطريقة العيش، لكن في المقابل استقبلوهم بحفاوة مبالغاً فيها، ربما لأن لديهم خططاً مستقبلية تستهدف المال الذي من الممكن أن يناله الرجل المسن وبطل قصتنا هذه.
للفيلم عدة مزايا تشجع على مشاهدته، لعل أهمها مستوى القصة الاستثنائي البعيد عن كليشيهات هوليود المعتادة، والقصص البطولية التي نراها غالباً في السينما. في هذا الفيلم نجد أن البطل رجل مسن، وهذا من النادر حدوثه في السينما الأمريكية، وفي قرار فني جريء، فضل المخرج تصوير كامل الفيلم بالأسود والأبيض، لنقص الإمكانات أولاً، ولثقته العالية في مستوى التصوير الرائع والذي كان متميزاً حتى من دون الألوان والتي تضفي في العادة جمالاً في التصوير. الأمر الثالث المتميز في هذا الفيلم هو مستوى التمثيل المقنع جداً، فنجد على الرغم من عدم خبرة الطاقم التمثيلي، استيعاب جيد للواقعية في التمثيل، التصعيد المناسب في الوقت والمناسب، والأهم، التزام الممثلين الحرفي بحوارات السيناريو. من يتابع أفلام المخرج السابقة مثل «Sideways و»The Descendants»، سيلاحظ مدى التزامه الشديد بالروح والأسلوب مع اختلاف جذري في القصص والعمق الفكري، وهنا تبرز قيمة المخرج المستقل الشاب «ألكسندر باين» فهو على درجة كبيرة من الوعي والكفاءة على مستوى التنفيذ والكتابة أيضاً، وهو كمخرج مؤلف في نفس الوقت يستطيع أن ينفذ ما يريده في أفلامه وإيصاله للمشاهد بدون تعقيدات أو قصص معقدة، وبأقل التكاليف، على اعتبار أن غالبية أفلامه بإنتاج منخفض للغاية، مثله مثل جيم جارموش ونوح باونباه والأب الروحي للمستقلين السينمائيين في الولايات المتحدة جوس فان سنيت.
حقق الفيلم إنجازات عدة في موسم الجوائز لعل أبرزها حصوله على ترشيحات رئيسية في الأوسكار لفئة أفضل فيلم ومخرج، ليتفوق المخرج باين على منافسه هذا العام على المقعد الخامس وهو سبايك جون، ونال الفيلم أيضاً ترشيحاً لأفضل ممثل رئيس وأفضل ممثلة مساعدة وأفضل سيناريو، وأفضل تصوير.