حذر داعية ومستشار قانوني وإخصائية أسرية من تفاقم الخلافات الأسرية في المجتمع، وازديادها بصورة لافتة للنظر.
وطالبوا بضرورة الاهتمام بالاستشارات الأسرية وتدريب الزوجين على حل مشكلاتهما داخل إطار الأسرة بالود والإحسان، وأن يعلم الزوج حقوق زوجته وتعلم الزوجة حقوق زوجها ويتحمل كل منهما مسؤوليته.
المودة والرحمة
بداية يقول الشيخ نايف بن محمد اليحيى عضو الدعوة والإرشاد ببريدة: ضمَّن الله آيات الطلاق إشارات بديعة لتجفيف منابع المشكلات الزوجية وتخفيفها، تحتاج كثيرا من التأمل والمعايشة لمن أراد تحقيق السكن والمودة والرحمة التي أخبر الله عنها في الحياة الزوجية. أثناء تأملي آيات الطلاق أدهشني معنى أعيد ذكره فيها سبع مرات! والأعجب من هذا أنه ختمت به آيات الطلاق في سورة البقرة وفي سورة الطلاق!
لاشك أن ختم السياق به وتضمينه في وسط الآيات له دلالته وتأثيره في تحجيم أو تضخيم هذه المشكلات، فالتكرار في السياق القرآني يأتي للتأكيد وشد الانتباه وللتقرير وغيرها من المعاني. هذا المعنى يقابلك أيضاً في أول آية في سورة الطلاق (واتقوا الله ربكم)، لأن من حقق التقوى واستشعر مراقبة الله فلن يخون ولن يظلم ولن يستصغر ويحتقر مقابله، ولن ينقص شيئاً من حقه. كلما ارتفع زاد التقوى عند الزوجين فسيتقرب كل منهما لربه بخدمة صاحبه؛ لأنه يرى أن هذا الميثاق الذي وصفه القرآن أنه غليظ لا بد أن يقوم فيه بحقه أو أن يسرح تسريحاً جميلاً لا ظلم فيه ولا بغي.
فالتقصير في الحقوق والواجبات دليل على نقص ميزان التقوى عند العبد، وكلما زاد النقص ارتفع جانب التقصير. ومن الإخلال بالتقوى إهمال الهدي القرآني والنبوي في التعامل الأسري، فتجد سوء الظن والله يقول: (اجتنبوا كثيراً من الظن)، وتجد الإسراف في طلب الكماليات والله يقول: (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله)، وتجد المقارنة بما عند الآخرين وبأهل الثراء والنبي - صلى الله عليه وسلم - ارشد أن: «انْظُرُوا إلى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إلى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ»، وأمر ببناء البيوت بطاعته وذكره ثم تجد بعضها صاخبا في الغفلة والمعصية. وارشد إلى النظر إلى الجانب الإيجابي: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ»، ثم تجد من لا ينظر إلا إلى المساوئ.
وأكد على العفو والتسامح ثم تجد من ينطوي على الحقد وملفات المحاسبة والأخطاء.
وختاماً: نحتاج كثيراً لتلمس التقوى القلبية، والهدي النبوي، لتتجه بوصلة الأسرة لوجهتها الصحيحة، وليكون التعاذر والصفح والتعاون والبذل هو المنطلق الذي يسير عليه الزوجان في بيتهم.
الحقوق والواجبات
ويشير الشيخ فواز الأدهم المستشار القانوني المأذون الشرعي لعقود الأنكحة بالرياض الى أن الله أنعم على الزوجين بالألفة والمحبة والود والرحمة، وجعل الزوجين لباسا لبعضهما البعض وجعل ذلك علامة وآية من آيات عظمته ورحمته ووده ولطفه وكرمه فقال تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].
ومن هنا كان حري بالزوجين الحرص على الوفاق والتآلف فيما بينهما في سفينة الحياة التي تجري في هذا البحر الواسع.
فإذا حرص الزوجان على الود والاحترام المتبادل وتجاوز الخلافات الزوجية التي تقع بينهما - سواء كان خلافا ماليا أو خصاما أو جدلاً واستهزائيا أو سخرياً أو عدم توافق - إن تجاوز ذاك الخلاف يجعل السفينة تمضي قدما في السير بهدوء وسكينة في البحر.
ومع تطور الحياة وهجوم هذا الكم الهائل من التقنيات ووسائل التواصل والسعي لجلب الرزق والانشغال من الزوجين أو أحدهما في ذلك. مما تسبب في حدة الخلافات الزوجية - سواء من الزوج أو الزوجة - وتعقيد الحياة الزوجية في كثير من الاحايين.
لذا يجدر بنا الإشارة إلى أهم أسباب زيادة حدة الخلافات بين الزوجين لكي يحذر منها الزوجان ويستثمران ذلك الخلاف بطريقة أو أخرى إلى تآلف وود. فمن ذلك ما يلي:
1 - عدم الفهم والتقدير الواقعي للآخر:
إن عدم الفهم من الزوجين أو أحدهما للطرف الآخر وفهمه لخصوصياته الجسمية أو النفسية أو تكوينية يسبب خلافا قويا بينمها. فعلى الزوج (الذكر) وعلى الزوجة (الأنثى) أن يحاولا فهم بعضهما البعض وأن للذكر خصائصه من جميع الجوانب وكذا الأنثى لها خصائصها من جميع الجوانب كما قال تعلى (وليس الذكر كالأنثى). إن الفهم السليم من قبل الزوجين يلغي أو يقلل حدة الخلاف بينهما. وهنا يكمن ذكاؤهما وحسن عشرتهما.
2 - عدم الرفق بالطرف الآخر:
إن رفق الزوجين أحدهما بالآخر والنظر إليه بعين المحبة الرأفة والود والسكينة والحنان. إن هذه النظرة من الزوجين كافية لكسر الخلافات الزوجية وتهدئتها واستثمارها وتقليل الحدة منها. لذا قال - صلى الله عليه وسلم - : (إن الله يحب الرفق في الأمر كله) رواه البخاري, وقال - صلى الله عليه وسلم - من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير, ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير) رواه الترمذي.
فماذا يعني الرفق وكيف يكون الرفق بين الزوجين أو غيرهما؟؟؟
بالرجوع لمعنى هذه اللفظة الرائعة نجد أن من معانيها الجميلة في اللغة العربية (الرقة , الاعتدال, المعاملة باللين, اللطف ,المعاملة الحسنة. العطف, رافق الشخص صار صديقا له, السهل)، فعلى الزوجين أن يختارا الرفق بجميل معانيه وحسن بهائه في التعامل من الآخر.
3 - الغيرة المبالغ بها:
إن الغيرة من الزوجين أحدهما على الآخر محمودة وهي تنم عن الحب والوفاء والود والحرص على الآخر وطلب الحفظ له.
لكن يجب أن تكون الغيرة محمودة لها ثمارها اليانعة وجناها الداني وعنقودها المضيء. فإن الغيرة في بعض الأحيان - من الزوج أو الزوجة - غير محمودة، ومن ذلك إذا كانت زائد ة أو في غير محلها أو تكون تلك الغيرة سببا في الخلافات الزوجية وحدتها وتفاقمها.
فأفضل الزوجين وأحسنهما من حسنة غيرته وأثمرت وعلى ربوع الحب والعزة تربعت.
4 - الخلاف المالي:
إن المال عصب الحياة وهو من الله نعمة كما قال تعالى {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}.
إن لكل من الزوج والزوجية حقوقه الشرعية المعروفة ومنها النفقة من الزوج على زوجته. وإن تعدي الزوج على مال زوجته - سواء كان منقولا أو ثابتا - يحرك الخلافات الزوجية ويرسيها على أشدها. فحري بالزوجين الحرص على المال وحفظه واستثماره فيما فيه نفع لهما أو لأحدهما.
7 - التدخل في الحياة الزوجية من أطراف آخرين:
الحياة الزوجية لها خصوصيتها وطبيعتها وهي لا تخلو من خلاف أو عدم تفاهم أو سوء فهم من الزوجين أو أحدهما. فهنا جدير بالزوجين عدم قبول التدخل من طرف آخر - مهما كان أو قرب - فيما بينهما ولو في أبسط الأشياء. فإن الصغير يكبر إذا تدخل دخيل بينهما. وعليهما حل الخلافات التي بينهما بالهدوء والصبر والتنازل في بعض الأحيان بل التناسي.
7 - إرهاق الزوجين ماليا:
على الزوج واجباته الشرعية فيما يخص زوجته ومنها النفقة عليها بالمعروف. وإن بعض الزوجات لا تكل ولا تمل في تصدير الطلبات المرهقة الكاسرة لظهر الزوج من غير حاجة أو ضرورة ملحة أو فيما اعتاده الناس وفق العرف بينهم. بل ترهق الزوج ماليا وهذا يزيد حدة الخلافات بين الزوجين.
7 - وسائل التقنية الحديثة:
إن استخدام وسائل التقنية الحديثة بأشكالها وأنواعها وأجناسها فيما فيه فائدة أو نفع أو مصلحة أو حتى مرح أو أنس كل ذلك رائع ومفيد , لكن ثمة مشكلة كبرى زرعة الحلافات الزوجية وزادت من حدتها ألا وهي سوء الاستخدام لها أو الإدمان على استخدامها كمثل كثرة استخدام للجوال بوسائله (التويتر - الوتساب) وغيرهما من البرامج التي في بعض الأحيان ينشأ بسببها خلاف حاد قوي بين الزوجين لعدم التقنين الصحيح من الزوجين أو أحدهما في طريقة الاستخدام ومتى وأين؟؟؟؟
وهناك أسباب أخرى لحدة الخلاف بين الزوجين لكن كلما كان الزوجان متحابان متوادان لطيفان عارفان بعضهما لبعض، حريصان على حسن العشرة ونمائها وبهجتها كانت الخلافات بينهما قليلة وتستثمر وتحول للأحسن عيشة ومحبة ولطافة وودا وتقديرا ونماء وعطاء وسكينة.
تغيرات كبيرة
وتؤكد الدكتورة لولوة بنت عبد الكريم المفلح الأستاذ بجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن أن الأوضاع الأسرية قد طرأ عليها من التغيرات ما طرأ على كثير من أمور الحياة ،فانقلبت كثير من المفاهيم عما كانت عليه من قبل. انتشر العقوق وقطيعة الرحم والتهاون في كثير من أمور الدين، وبالمقابل ظهر التعلق بالدنيا والإقبال على سفاسفها ، وكل واحد يود تلبية رغباته ولو كان على حساب غيره.
ومن هذه الأمور المهمشة عدم الحفاظ على الحياة الزوجية سواء أكان من جانب الزوج أم الزوجة ؛ لأن الكل يلهث خلف مطالبه متناسياً شريك حياته وما ذاك إلا لضعف الوازع الديني فأين نحن عن نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يكون في خدمة أهله حتى ينادى للصلاة. وأين نحن من قوله (ولا تجد امرأة حلاوة الإيمان حتى تؤدي حق زوجها) مجمع الزوائد 4 - 312.
الرجل انشغل عن أهل بيته بالسهر والخروج والتهرب من المسؤوليات وتسليم أمور بيته إلى السائق الذي قد يجر الويلات له ولأهله. وكذلك المرأة سلمت زمام بيتها للخادمة التي لا ترقب في مؤمن إلاً ولا ذمة وأخذت تلهث خلف كل ناعق في متابعة ما يستجد من حقائب وملابس (وموضات) ولم ترع الأمانة التي ستسأل عنها. وها هو كل واحد من الزوجين يدافع عن نفسه ويرى أنه هو الذي على حق.
الانسلاخ من قيم الإسلام. والجري خلف تقاليد الغرب وقيمهم والانشغال بالأجهزة الإلكترونية ومتابعة ما فيها من محادثات وبرامج غير نافعة ومتابعة القنوات الفضائية وما فيها من برامج هدامة، كل ذلك كان سبباً في ارتفاع الخلافات الزوجية ولن تصلح حالنا إلا باتباع شرعنا والله تعالى أعلم.