كتاب صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل (من الكعبة وإليها.. بناء الإنسان وتنمية المكان) جاء في 312 صفحة من الحجم الكبير، وتضمن المشروعات التي تم إنجازها في مكة المكرمة.. ومشاعر سموه عند مغادرته أبها إلى جدة.. حيث يقول: لن أنسى ما حييت عيون الرجال حينئذ وقد امتزجت فيها رجولة النظرات بدفء المشاعر وضوئها في مشهد أخاذ وتصافحت كفوفنا وعيوننا نتبادل أطيب التمنيات.
سلمت على طاقم الطائرة الذين وقفوا عند مدخلها وفيهم من أبناء مكة المكرمة وأسعدتني ابتساماتهم ونظراتهم التي كانت تنم عن تفاؤل وترقب ثم جلست على مقعدي في الجانب الأيسر من مقدمة الطائرة، وتحركت فرأيت من النافذة الكثير من العربات الخاصة بالمطار والإطفاء والأمن، تضيء أنوارها وتطفئها في إيماءة وداعية جميلة ومؤثرة من العاملين في المطار. أسرعت الطائرة، أقلعت، وكأنها تقتلعني من أرض عسير.. وحبست دمعة!
كانت أسرتي الصغيرة -زوجتي وأبنائي الثلاثة- ترافقني في الطائرة نظرت إليم وإذا بهم جميعاً يتجهون بأنظارهم إلي وكأنهم يستشفون ردود فعل اللحظة علي، وأنا كذلك أتحسس مشاعرهم فلقد شاطروني ظروف تلك المرحلة وأحداثها وعاشوا معي أفراحها وأتراحها، في تلك التجربة التي قضى الله بما لها وما عليها من نجاح أو فشل، لكن الشيء الأهم الآن الذي تجلى في تلك اللحظة وعليه التقت أعيننا جميعاً.. كان السؤال: وماذا بعد؟
ابتسمت لهم وطمأنتهم بدون صوت، وبادلوني الرسالة بالطريقة ذاتها. لا أنسى وداع أبها واستقبال جدة ما حييت، فقد تجلت فيهما كل المشاعر واختلطت كل الأحاسيس ولكن الرسالة التي نقلتها لي كل العيون وكل الأكف في جدة: ماذ سوف تفعل؟
وبين زحمة الكتوف، والنظرات والابتسامات أخذت طريقي إلى خارج الصالة، وسمعت صوتاً يسألني - عرفت فيما بعد أنه مدير المكتب:
متى سيبدأ الدوام في المكتب؟
فقلت: صباح الغد إن شاء الله.