Thursday 13/03/2014 Issue 15141 الخميس 12 جمادى الأول 1435 العدد

وسواس الوضوء .. والصلاة .. والنظافة .. بعض أنواعه

الوسواس القهري .. عندما يقهر صاحبه!!

يُعتبر الوسواس القهري من أمراض اضطرابات القلق الشديد، وهو عبارة عن فكرة مسيطرة ومُلحة تسلطية تستحوذ على المريض ولا يستطيع منعها أو مقاومتها، مع أنه يعلم تماماً أنها فكرة سخيفة وغير منطقية ومن أفكاره، وقد يستجيب بفعل منها بترديد هذه الفكرة أو الأفعال، مما يرهق المريض ويجعله في إعاقة حقيقية عن حياته الطبيعية، والقاعدة الطبية النفسية تقول إن المرض لا يكون مرضاً إلا إذا أضر أو أعاق صاحبه أو غيره.

وتُعتبر نسبة انتشار الوسواس القهري متساوية بين الذكور والإناث وهو يصيب ما بين 2 - 3% من الناس، ولا يمكن اعتبار الفكرة أنها وسواسية إلا إذا تحققت لها عدة شروط منها.. أن يشعر المريض بأن الفكرة تحشر نفسها في وعيه وتفرض نفسها على تفكيره رغماً عنه، وتنشأ من رأسه هو وليست من مؤثر خارجي، وأن المريض يوقن بأن هذه الفكرة غير معقولة وغير صحيحة وأنها سخيفة والمريض دائماً يحاول جاهداً مقاومة الفكرة وعدم الاستسلام لها، وأخيراً إحساس المريض بسيطرة هذه الفكرة وقسوتها القهرية عليه، فكلما قاومها زادت إلحاحاً عليه، فيقع في دوامة من التكرار الذي لا ينتهي، وبالتالي تعيقه عن أداء حياته اليومية بشكل طبيعي.

والوسواس القهري يأتي في صورة أفكار أو اندفاعات أو صور أو أفعال وغالباً لا يشعر المريض بأنه مدفوع إلى تأديتها استجابة لهذا الوسواس، ولكنه يدرك بأنها زائدة عن الحد أو غير معقولة أو تعيقه عن حياته العادية الطبيعية وسأذكر هنا أمثلة للوسواس القهري من خلال شكوى المرضى كالآتي:

- في الإناث قبل الزواج مثلاً.. هناك وسواس أنها ليست عذراء وليست بكراً وأن غشاء البكارة قد أصابه ضرر، وهذه الفكرة تسيطر عليها ولا تستطيع منعها مهما قاومتها، مع أنه لم يمسسها أي رجل، وأنها صاحبة خلق ودين ولا تخالط الرجال أبداً.

- وسواس الوضوء.. وفيه يشك المريض بأن وضوءه لم يتم بشكل صحيح.

- وسواس الصلاة.. وهو ينقسم إلى مراحل، منها وسواس في النية، فيكرر النية بصورة مبالغ فيها، وتكبيرة الإحرام في قول الله أكبر، فيرفع صوته ويعيدها ليسمع نفسه ويتأكد أنها قيلت بشكل صحيح، ويعيد ويكرر ولا يرتاح إلا إذا أعادها، ويشك بأنه لم يقلها بشكل صحيح ويعيد ويكرر ثم يشكك فيها مرة أخرى، ويعيد ويكرر.

- وسواس القتل.. مثلاً سأذبح ابنتي وسأقتل زوجتي وسأقتل ابني، وسوف أؤذي ابني أو ابنتي، ويخاف أو تخاف من وجود السكين أمامه أو أمامها في المطبخ مثلاً.

- وسواس الأفكار الدينية.. فيما يتعلق بالمريض المسلم تأتي له أفكارٌ كأنه كافر أو أن صلاته غير مقبولة أو أنه يسب الرسول أو الذات الإلهية، أو من خلق الله، أو أنه ملحد أو أنه طلق زوجته.

- وسواس الحسد.. فتتسلط عليه فكرة (أنا أحسد الآخرين) أو (أنتم ستحسدونني قولوا ما شاء الله).

- وسواس الترتيب، ووسواس النظافة، ووسواس غسل اليدين، ووسواس التلوث والنجاسة، ووسواس المال، ووسواس الصحة، وسواس الجنس، ووسواس التأكد من إغلاق النوافذ والأبواب.

ولتشخيص اضطراب الوسواس القهري لاعتباره مرضاً يلزم ما يلي:

1 - يجب أن تتوافر أعراض وسواسية أو أفعال قهرية أو كلاهما في أغلب الأيام لمدة أسبوعين على الأقل.

2 - يجب أن يدرك المريض أنها أفكاره الخاصة به.

3 - أن تكون مصدراً للإزعاج أو للتشويش على الأنشطة المعتادة.

4 - يجب أن تكون هناك فكرة أو فعل واحد على الأقل لا يزال المريض يحاول مقاومته دون نجاح وتسبب له الإرهاق.

5 - يجب أن تكون التصورات أو النزوات متكررة بشكل مزعج.

6 - هذه الأفكار التسلطية عادة يشعر بأنها غريبة عليه لأنها عادة ما تكون مخالفة بشدة لتوجهات هذا الشخص ومبادئه ومشاعره، وكلما قاومها زادت حدة إلحاحها على وعيه.

7 - هذه الأفكار والوساوس لا تختفي بعد الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.

والموسوس دائم الشكوى لمن حوله من وسواسه، ويتألم من هذا الوسواس، ويستفتي أهل العلم الديني عن حاله، ويتردد في النهاية على الأطباء، ويدعو الله أن يخلصه منها ويفرح إذا نجح في مقاومة وسواسه ويحزن أشد الحزن إذا غلبه الوسواس القهري.

علاج الوسواس القهري

أما علاج الوسواس القهري كمرض فهناك 3 طرق للعلاج وهي: العلاج الدوائي، والعلاج السلوكي المعرفي، والعلاج الجراحي، ومن خبرتي أرى أن الجمع بين العلاج الدوائي والعلاج السلوكي المعرفي قد أفادا جداً في علاج الوسواس القهري وأعطى أفضل النتائج كل حسب حالته وحسب شدة الأفكار والوقت المضيّع في الوسوسة، ومدى تعارض الوساوس مع الأنشطة اليومية للمريض وكذلك مدى الضيق أو الكرب الناتج عن الوساوس ومدى المقاومة التي يبديها، وأخيراً مدى قدرة المريض على التحكم في الوساوس وذلك كله من خلال جلسات تعلم فنيات قطع الفكرة وصرف الانتباه عنها بأسلوب علمي، فيفضل في الجلسة الأولى أن يشرح الطبيب النفسي للمريض الفروق بين الوسواس القهري كمرض واضطراب، وبين وسوسة الشيطان، ثم تعلم فنيات منع الاستجابة، ثم التعرض مع منع الاستجابة، وأخيراً جلسات منع الانتكاسة، وغيرها.

العلاج الدوائي

أثبتت عقاقير علاج الوسواس القهري روعة في علاج اضطراب الوسواس القهري إذا تم إعطاؤها تحت إشراف الطبيب النفسي وبجرعات مناسبة، ومن هذه العقاقير.. (كلوميبرامين) و(فلوكسيتين) وفلوفوكسامين و(سيرترالين)، وهذه العقاقير تختار مادة السيروتينين الموجودة في المخ من دون غيره من الناقلات العصبية وتسمى (اختيارية السيروتونين SSRIS)، كما يمكن أيضاً إضافة جرعة قليلة جداً في حالات خاصة من مضادات الذهان الحديثة عند الاحتياج لها مثل عقار (أريببرازول).

العلاج الجراحي

يتم في هذا العلاج قطع بعض القنوات العصبية في بعض مناطق المخ التي تصل بين القشرة الأمامية والنواة المذنبة والكرة الشاحبة في الدماغ المتوسط، أي قطع حلقة الوسواس القهري المفرغة، ولكن نتائج الجراحة غير مشجعة للآن.

علاج وساوس الشيطان

إن العلاج الديني الثابت في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة في حالة وجود أي مصدر لوسوسة الشيطان علاجها يكون بالاستعاذة بالله سبحانه وتعالى من الشيطان الرجيم وأن يتفل عن يساره ثلاثاً، قال تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (200) سورة الأعراف.

مع أمنياتي بدوام الصحة النفسية للجميع.

د. علي مصطفى - أخصائي الطب النفسي - مستشفى النخبة

للتواصل مع كاتب المقالة: هاتف: 4616777 (011) تحويلة 1