قصر غيلان .. يعد من أقدم الآثار الموجودة في منطقة نجد وفي إقليم سدير على وجه الخصوص حيث يقترن تاريخ هذا القصر الأثري بعددٍ من الأحداث الزمنية التاريخية التي حدثت في منطقة سدير وكان لها دور كبير وفاعل في رسم طبغرافية المنطقة، حيث إن القرى المحيطة بالقصر تأثرت كثيراً بالأحداث التي دارت فيه ورواها التاريخ، والتي يتجاوز عمرها مئات السنين، ومن الضروري إعطاء هذه الأماكن حقها من البحث والدراسة لكي يساهم ذلك في دعم الدراسات الأثرية في مملكتنا الحبيبة.
موقع قصر غيلان
يقبع قصر غيلان في بلدة عودة سدير التي تبعد عن مدينة الرياض مئة وسبعين كيلاً، من الناحية الشمالية الغربية، حيث تقع السفوح الشرقية من طويق وفي الجانب الغربي من العتك الكبير حيث تشغل مساحات واسعة من وادي سدير (الفقي قديماً).
أما عن موقعها في كتب التاريخ القديمة كتب تقويم البلدان فإننا نجد لغدة الأصفهاني يقول: (والفقء بالكرمة والكرمة باليمامة)، والكرمة عند لغدة الأصفهاني هي الجزء الشمالي الشرقي من اليمامة ووادي الفقي الذي هو وادي سدير يقع في هذا الجزء من اليمامة والعودة في أسفل هذا الوادي.
أما الحسن بن أحمد الهمداني فقد حدد العودة وذكرها بما كانت تعرف به في ذلك الوقت من الزمن، حيث كانت تسمى جمازاً - وجماز هو ناحية من نواحي العودة الآن- فهو يقول: (ثم تقفز من العتك في بطن ذي أراط ثم تسند في عارض الفقي فأول قراه - جماز- وهي ربابية ملكانية عدوية من رهط ذي الرمة ثم تمضي في بطن الفقي وهو واد كثير النخل والآبار)، ويمضي الهمداني في وصف قرى هذا الوادي إلى أن يقول: (وكذلك جماز سوق في قرية عظيمة أيضاً).
وقد ذكر الشاعر الشعبي إبراهيم بن جعيثن العودة وما حولها ووادي الفقي في قصيدته التي قالها في مدح أهل سدير ومنها:
ووراط يحيي به حلال مهازيل
حيث هو اللي ينطح السيل جاله
وإلى انحدر يضفي على العودة السيل
وتمير ومجزل تملا اهجاله
ووادي الفقي زين البساتين ونخيل
في القيظ يسقى صافي من زلاله
كدادهم كنه على ساحل النيل
تسمن معاويده ويكثر رياله
يرجع سدير ويكثرن المحاصيل
تلقى به التاجر اينمي حلاله
غرايس يازينها طلعة سهيل
يفرح بها اللي جايعين عياله
وأسوار قصر غيلان لا تزال شامخة بارزة تشد انتباه المار مع الطريق السريع (الساحبة) المتفرع من طريق (الرياض سدير القصيم)، وتوجد أبراج على السور وهي أبراج مبنية من الطين والحجارة وتتميز الأسوار بارتفاعها وعلوها حيث يصل طولها تقريباً إلى خمسة أمتار وتكون فيها الحجارة على شكل مداميك منتظمة، وهذا يشهد على الفن المعماري والهندسي الذي كان يتمتع به البناؤون في ذلك الحين، بالإضافة إلى أن هذه الأسوار بقيت شامخة بارزة على الرغم من الفترة الزمنية الطويلة جداً التي تفصل بين تاريخ بناء هذه الأسوار وزمننا هذا الذي نعيش فيه الآن بحكم أن أهل هذا القصر عاشوا قبل 1500 سنة على أقل تقدير.
هذه القليب محفورة داخل قصر غيلان المعروف في البلدة بمدينة غيلان. والقصر يقع على سفح جبل، والقليب محفورة في الصخر ولعلها اندثرت الآن فلم يبق منها سوى الأطلال بسبب إهمال الجهات المعنية في المحافظة عليها. وأهل البلدة يعتقدون أن هذه البئر تحتوي على كنوز كما تحكي الأسطورة القديمة، وأن كل مَن حاول حفرها وإخراج الكنوز تصدى له الجن؛ فمنعوه من ذلك. وآخر مَن حاول حفرها رجل من الجيل الماضي يدعى الحويتمى. يقول ذلك الرجل: عندما شرعت في حفر البئر خرج إليّ شيخ وقور ووجه إليّ بعض الأسئلة حيث قال: هل ابيض الغراب؟ فقلت: لا، فقال: هل عُدِم الحرمل؟ فقلت: لا، فقال: هل طلعت الشمس من مغربها؟ فقلت: لا، فقال: لا تحفر هذه البئر حتى يحدث ما ذكرت، ونحن حراسها إلى ذلك الحين. يقول الحويتمى: فخرجت من البئر مصاباً بالفالج. واستمرت إصابة ذلك الرجل بالفالج إلى أن توفي. وأهل البلدة يعتقدون أن الجن أخوال غيلان، وأنه أوصاهم بحراستها.
غيلان وابنته
الشيء الشائع عند أهل بلدة عودة سدير أن غيلان صاحب القصر الموجود في العودة والمعروف ب(مدينة غيلان) صاحب أسفار لا تنقطع حتى اشتهر عنه أنه يبحث عن نهاية الأرض وأطرافها، والمثل المشهور (مات غيلان ما لحق لها طرف) يفسر ما يعرفه أهل البلدة عن غيلان ورحلاته التي لا تنتهي. وبما أن غيلان صاحب أسفار مستمرة فإنه يحرص على عدم الإنجاب؛ حتى لا ينشغل بتربية أبنائه. وعندما رحل في إحدى رحلاته الطويلة أنجبت زوجته بنتاً، وعندما عاد أخفاها أخوالها؛ خشية أن يقتلها أو يتخلص منها بأية طريقة، وقد نجح أخوالها في إخفائها حتى كبرت. وبينما هي تلعب مع رفيقاتها بجانب بيت أخوالها مر بها غيلان فأعجبته ولفتت نظره؛ فأراد أن يختبرها مع رفيقاتها؛ فرمى بحجر إلى البنات وقال: أريد منكن أن تخطن لي ثوباً من هذا الحجر؛ فأخذت ابنته الحجر وأعادته إليه وقالت: إننا بحاجة إلى خيوط، فإذا استخرجت لنا خيوطاً من هذا الحجر فنحن على أتم الاستعداد لخياطة ذلك الثوب الذي تطلبه. وعندما سمع غيلان جوابها عرف أنها ابنته وقد تأكد من ذلك فيما بعد.
ولما ثبت عنده أن البنت ابنته عزم على التخلص منها؛ فاختار يوماً شديد البرد ومر بها وهي تلعب مع رفيقاتها، وكانت ترتدي ثياباً خفيفة، فأخذها معه وركب ناقته وأردفها خلفه. وكانت ريح الشمال تلسع جسمها ببردها الشديد؛ فاشتكت البنت شدة البرد؛ فسكت غيلان وواصل سيره. ولما كان البرد لا يطاق والمطر خفيف يبلل الجسم أعادت ابنة غيلان شكواها لوالدها، ولكن غيلان لا يجيب. وقد استمر غيلان في سيره وكان الليل قد جنهما، بل إنه قد مضى أكثره وغيلان ماض في طريقه وناقته (صيدح) تنهب الأرض نهباً ولا تسأل عما فوقها. وفي تلك اللحظات أحست ابنة غيلان بتجمد أطرافها فقالت:
قلبك يا غيلان من قاسى الصفا
والا الحديد يا غيلان يلين
وعندما سمع غيلان قولها رق قلبه وأخذ عباءته وغطاها بها، وفي تلك اللحظات كانت ابنته تسلم الروح لبارئها وتتحول إلى جثة لا يؤثر فيها البرد. وعند ذلك توقف غيلان عن المسير ودفن ابنته. وينسب إلى غيلان وابنته مي هذه المحاورة الشعرية:
قال غيلان:
يا مي بييان الغنى في ثلاثة
على الردى يا مي صعب يكودها
بهن كداد على جال عيلم
يبيع ويشرى في مثانى اكدودها
وبهن مغوار على القوم نادر
عشايره ما عاد تحصى اعدودها
وبهن حدار على عيد هيه
فأجابته ابنته:
ان كان كداد على جال عيلم
فد فاتره ما عاد تحصى اعدودها
وان كان مغوار على القوم نادر
فالقبر مفتوح وهو من اسدودها
وان كان حدار على عيد هيه
فيروعه تزاويل الشجر في نفودها
ألا يا غيلان خليت واحد
يدين حضران القرى في أكدودها
يحط له في واهج القيظ ملفح
وفي الشتاء نيرانه يكبر وقودها