يبدو أن رئيس الحكومة المهدي جمعة وإحساساً منه بأن حواره التلفزيوني الأول لم يقع استيعاب ما تضمنه من تصريحات مهمة وخطيرة، فقد اختار كل نشاطاته خارج مكتبه لتوضيح أهم النقاط التي جاء بها البرنامج الاقتصادي لفريقه الحكومي، من ذلك أنه استغل فرصة إشرافه على أعمال منتدى الحوار حول دفع الاقتصاد الوطني الذي نظمه اتحتاد الصناعة والتجارة، ليؤكد بأن طريقة عمل الحكومة تتجسّد في التشاور في عديد القضايا مع الأطراف الاجتماعيّة ومع الأحزاب ومع كل الفاعلين، مبيّناً أن هذه المبادرة الأولى بعد أن كان جمعة استمع إلى وجهة نظر منظمة الأعراف في إطار تنشيط الاقتصاد والمقترحات المستقبليّة لإعادة هيكلته عبر عدد من الورشات مع أعضاء الحكومة.
وكان رئيس الحكومة قدّم في بداية أعمال المنتدى بسطة حول الوضع الاقتصادي في البلاد وخصوصاً الصعوبات التي يمّر بها، مشيراً إلى تأكيده على أهميّة التوافق حول الإجراءات العمليّة لإعادة الإنتاجيّة ودفع الاقتصاد الوطني.
وجدد جمعة حرصه على نقطتين أساسيّتين، استرجاع الثقة في المؤسّسات الوطنية وفي اقتصاد البلاد وفي الاستثمار، وهو ما بيّنه لرجال الأعمال والمستثمرين الحاضرين في المنتدى بما من شأنه أن يطمئن المستثمرين المحليّين والأجانب.
يأتي هذا التصريح في مسعى من رئيس الحكومة لإخماد نار الحرب واحتواء الأزمة التي بدأها قياديو الاتحاد للشغل الذين عارضوا الإجراءات الاقتصادية التي أعلنها المهدي جمعة منذ أيام بخصوص إصلاح المنظومة الاقتصادية، وعلى رأسها إيقاف الانتدابات، وتجميد الزيادة في الأجور، ورفع الدعم الحكومي تدريجياً عن المواد الاستهلاكية، وذلك على خلفية تدهور الاقتصاد المحلي بشكل رهيب يدفع المسؤول الأول الى اتخاذ إجراءات «مؤلمة» ولكنها ضرورية.
وفي سياق غير متصل، لا يزال الشارع التونسي تحت وقع صدمة القرار الرئاسي برفع حالة الطوارئ بالرغم من محاولة بعض الأطراف المسؤولة التقليل من حجم الأخطار التي تتهدد البلاد من جهة، وتبرير القرار بالحرص الرئاسي على دفع الاستثمار ومضاعفة نسبته بما يسهم في حل معضلة تدهور الاقتصاد الوطني من جهة أخرى، إلا أن إحساس الخوف لا يزال يسيطر على مشاعر التونسيين. ولا حديث في الشارع التونسي إلا عن التداعيات المحتملة لقرار رئاسي كهذا بالرغم من التصريح المطمئن للناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع مختار بن نصر الذي قال إن الإبقاء على حالة الطوارئ في البلاد طال أكثر من اللازم بما يشكل ثقلاً كبيراً على الدولة سواء من الناحية المادية وما تحتاجه ميزانية وزارة الدفاع من أموال أو من الناحية المعنوية نظراً لما تسببه هذه الحالة من إرهاق للأشخاص والمعدات على حد سواء.
كما أشار ابن نصر إلى أن تعامل المؤسسة العسكرية مع حالة الطوارئ التي استمرت طيلة 3 سنوات كان حضارياً، وتم التمديد فيها أكثر من 15 مرة منذ ثورة 14 جانفي 2011 رغم كل المواقف الصعبة التي وُضع فيها رجال الجيش سواء في المظاهرات السلمية او الاحتجاجات التي تخللتها بعض مظاهر العنف.
وتابع يقول: «آن الأوان لكي يعود الجميع إلى مكانهم الطبيعي.. الجيش يرجع لثكناته، والأمن لحماية المرافق والمؤسسات.. مع العلم أن حالة التأهب لن تزول في المناطق الساخنة مثل الحدود والجبال وعلى وجه الخصوص جبل الشعانبي الذي ما زال يتحصن به بعض الإرهابيين.
سياسياً، لا تزال الدعوات الى محاسبة حكومتي الترويكا التي تطلقها بعض الأطراف تتعالى هنا وهناك بالرغم من خروج الترويكا من الحكومة منذ أكثر من شهر، حيث عاد الحديث عن «أخطاء النهضة وحلفائها ليغطي على الأحداث السياسية والحملات الانتخابية السابقة لأوانها للأحزاب السياسية. وفي رده على هذه الحملات الممنهجة من طرف أحزاب المعارضة التي لم يهدأ لها بال حتى بعد تولي حكومة غير متحزبة لرئاسة الحكومة، قلّل الناطق الرسمي باسم حركة النهضة زياد العذاري من الدعوات إلى محاسبة حكومة الترويكا على سوء التصرف ومغالطة الشعب، معتبراً أن السياسات العامة لا تناقش أمام المحاكم.
وأضاف العذاري، في تصريح صحفي هنا أن هذه الدعوات تدخل في إطار حملة انتخابية سابقة لأوانها، مشدداً على أن هذه الأمور لا يجب التعاطي معها بطريقة شعبوية كما يحصل الآن.