رأيتُ عدداً من الناس يقرأون القرآن من جوالاتهم في «المسجد»، والمصاحف بأحجامها، وأنواعها بين أيديهم، بمجرد مدِّ يَدِهِ، يلمسُ أنواعاً رائعة من المصاحف، ومنها مصاحف بحواشيها «تفسير».
ووجهةُ نظري أن يقرأ الإنسانُ - إذا كان في المسجد - من حفظه، أو من المصحف، لا من الجوال؛ لأمور:
1) أفضلية حَمْلِ جميعِ القرآن بين يديك، بينما الجوال لا يُظهِر لك إلا صفحة واحدة أو دون صفحة.
2) قيل: بأن النظر إلى المصحف عبادة، ويرى بعضهم سنيته؛ لوجود أحاديث في هذا ـ وهي ضعيفة ـ ووردت أيضاً آثار جيدة عن الصحابة والتابعين، وبعضهم يرى الاستحباب، ولـمَّـا ذكر ابنُ كثير في «فضائل القرآن» ( ص87) مسألة المفاضلة بين القراءة حفظاً أو من المصحف، ورجَّح أن المدار على الخشوع، قال: (فإن استويا، فالقراءة نظراً أولى، لأنها أثبت، وتمتاز بالنظر إلى المصحف).
وذكر أفضلية النظر إلى المصحف وأنه عبادة: النووي، والغزالي، وغيرهم. انظر: «التبيان» للنووي ( ص78)، و»المُتحف في أحكام المصحف» د. صالح الرشيد (ص707 ـ 727) ـ وهو أوسع من بحث هذه المسألة ـ.
وبناء على ما سبق فإن القارئ من الجوال إنما يقرأ من صفحة أو جزء من صفحة؛ لأن المصحف ليس في جواله، وإنما فيه ما يَظْهرُ له، بدليل أنه يجوز له أن يدخل دورة المياه بجواله الذي حمَّل فيه المصحف؛ لأنه ليس ظاهراً على جواله، ولو فُكِّكِ الجهاز، لن يجد فيه حرفاً واحداً من القرآن.
فالخلاصة: القارئ من الجوال ليس قارئاً في مصحف، وإنما في صفحة منه.
3) القراءة من المصحف أكثر خشوعاً؛ لأنه أقل حركة، فأنت تفتح مرة واحدة صفحتين اثنتين، بينما في الجوال تفتح جزءاً من صفحة، وتُكثر من حركة أصابعك في تنقلاتك.
4) تقرأ كلام ربك من مصحف ورقي، ليس فيه إلا القرآن؛ أفضل من جهاز يحمل ما هبَّ ودبّ، من كلام ورسائل، وصور، وفيديوهات.
5) من يقرأ من الجوال - والناس في المسجد يقرأون القرآن من حفظهم ومن المصاحف ـ؛ فإنه قد يساء به الظن ـ خاصة إن قرأ من دون صوت ـ فيقال: بأن الناس يقرأون القرآن، وهذا يعبث بجواله، وينشغل به في أماكن العبادة.
6) حروف الآيات في الجوال صغيرة جداً، بينما في المصحف الورقي كبيرة ومريحة للعين، وسهلة للقراءة.
7) القراءة من المصحف أفضل للعين، وأطيب، من رؤية الآيات والتركيز في شاشة الجوال، فرؤية الشاشة والإضاءة لها تأثير آخر، لا يوجد في المصحف الورقي.
8) يحدث أن تَرِد رسالة جوال، فينشغل القارئ معها، لأنها بين يديه.
9) قد تحدِّثُه نفسُه بالراحة اليسيرة، والاطلاع في الجوال على بعض الأخبار، وغيرها.
10) بعض مصاحف الجوال ليست على رسم طبعة مجمع الملك فهد وما يماثله كمصحف الكويت، الذي اعتاد عليه غالب الناس، فلا يؤمن من الخطأ في بعض مصاحف الجوال، وإحداث خلل في حفظ القارئ؛ لاختلاف الرسم.
11) حفاظاً على بطارية الجوال التي سرعان ما تنتهي ....
12) ما سبق إنما في القراءة من الجوال مع وجود المصحف، فأما القراءة منه في أماكن لا يوجد فيها مصحف، فعمل طيب، واستغلال أمثل، لوقت الانتظار.
13) أخيراً: اقرأ من المصحف الذي أمامك، وأنت في بيت من بيوت الله، فقراءتك منه أفضل، وأهنأ لقلبك ونفسك، وأطيب لعينك، وأيسر ليديك، وأبقى لرزانتك، وأخشع لجوارحك، وأبعد للتهمة عنك، وأقطع للشيطان عن إشغالك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان.