Friday 07/03/2014 Issue 15135 الجمعة 06 جمادى الأول 1435 العدد

نظرة الإسلام نحو المعوقين

تعرّف منظمة الصحة العالمية الإعاقة بأنها الخلل الناتج عن فقد أو شذوذ في التركيب أو في الوظيفة السيكولوجية أو الفيزيولوجية المؤدي إلى العجز وعدم القدرة على القيام بنشاط بالطريقة الطبيعية ويطلق المصطلح على المقعدين والمشلولين ذوي العاهات ويندرج معهم الزمنى والمعاتيه والبله.

وتعتبر الفلسفة اليونانية ماهية الإنسان في كونه الكائن العاقل ولكنها ميزت في الوقت نفسه بين اليونان والبرابرة والعبيد والأحرار والقوي والضعيف والأصل ذو الحسب والأصل الوضيع وصنفت ذوي الإعاقات ضمن الطبقات الدنيا غير المنتجة في المجتمع كما ورد في القانون الروماني القديم وصف الأصم بالعتة والبلاهة.

أما أفلاطون ومشروعه المجتمع العقلاني فقد عد هذه الفئة جزءًا خبيثاً غير منتج فهم عالة على المجتمع وغير مرغوب فيهم ويجب إخراجهم من المدينة الفاضلة.

وقد كان لهذا التصور أثر في الفلسفة الأوروبية الحديثة التي ظلت إلى عهد قريب تدعو إلى نبذ المعاقين وعدم تقديم المساعدة لهم لأن في ذلك هدراً لطاقات المجتمع إضافة إلى ما رافق هذه النظرة من اعتقادات خرافية ذات أصول كهنوتية رأت في الإعاقة الذهنية تلبس أرواح شريرة وشياطين لا تعالج إلا بالتعذيب الجسدي لإخراج تلك الأرواح.

أما الحضارة الفرعونية وثقافتها فقد اعتبرتهم من ضمن الطبقات غير المرغوب فيهم ويلزم التخلص منهم بشكل تام. (بحث عبدالرحيم العلمي ج 4 ص1794).

وفي المجتمعات العربية في الفترة الجاهلية وما قبل الإسلام فقد كانت أرق من المجتمعات الغربية في التعامل مع تلك الفئة حيث كانت تنحصر في عدم مؤاكلتهم ومجالستهم والتقذر منهم. (محمد درويش ص 1854 ح4+علي بهلول على أحمد 1894)

وظل الحال في المجتمعات الغربية على هذا التصور لكنه أخذ في التطور وتطورت معه النظرة إلى الإنسان بشكل عام والمعوق بصورة خاصة حتى توجت تلك التطورات بصدور إعلان حقوق الأشخاص المعوقين من هيئة الأمم المتحدة عام 1975م بحيث أثبت حقوق المعوق في احترام كرامته الإنسانية وله نفس الحقوق المدنية والسياسية التي لغيره من بني الإنسان وله الحق في العلاج الطبي والنفسي والوظيفي وإعادة التأهيل الطبي والاجتماعي وفي التربية والتدريب وإعادة التأهيل المهني، كما أن له الحق في الأمن الاقتصادي والاجتماعي ومستوى معيشي لائق والحصول على عمل والمحافظة عليه وأخذ حاجياته ومتطلباته الخاصة بعين الاعتبار، وله الحق أيضاً في أن يعيش بين أسرته أو في مأوى يعوضه والمشاركة في النشاطات الاجتماعية المفيدة وحمايته من أي استغلال أو إجراء معاملة مهينة له أو فيها تجاوز وتعدٍ على كرامته. وله الحق في التمتع في المساعدة القانونية في حال احتياجه لها ومناسبتها لحالته وفي حماية شخصه وممتلكاته وإبلاغه بكل حقوقه التي كفلها له الإعلان. (السيد رمضان 1995م) ص153.

وجاءت نظرة الإسلام عامة وشاملة للكون وما فيه من مخلوقات ومن أهم ما فيه من مخلوقات الإنسان حيث ميزه الله من حيث هو إنسان بدون تفريق أو تخصيص بالتكريم والتفضيل على سائر المخلوقات ودعوته إلى التدبر والتفكر في وحدانية الله دون شريك والمساواة بين بني آدم ووحدة الجنس البشري لا يتفاضلون إلى بالتقوى مما يدعو إلى المحبة والأخوة فيما بينهم. والإيمان بقضاء الله وقدره وأنه يصور الخلق كيف يشاء ، قال ـ تعالى ـ: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (11) سورة التغابن وقال ـ تعالى ـ {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ } (156) سورة البقرة وقال ـ تعالى ـ: {وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} (20) سورة الفرقان، وذلك يظهر من خلال ما شرعه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في فعله مع تلك المرأة التي كان في عقلها شيء فقالت يا رسول الله إن لي إليك حاجة فقال يا أم فلان انظري أي السكك شئت حتى أقضي إليه حاجتك فخلا معها في بعض الطرق حتى فرغت من حاجتها.

وكان صلى الله عليه وآله وسلم يهش ويبش لعبد الله بن أم كتوم الأعمى ويبسط له الفراش ويقول مرحباً بمن عاتبني فيه ربي.

فعن سعيد بن المسيب أن المسلمين إذا غزوا خلفوا زمناهم وكانوا يسلمون إليهم مفاتيح أبوابهم ويقولون لهم قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا.

وذلك أن المجتمع المسلم لا يتحقق له الرفاه في العيش والسعة في الرزق والنصر على الأعداء إلا بكفالته لضعفائه قال صلى الله عليه وآله وسلم: «أبغوني الضعفاء فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم».

لقد راعى الإسلام ظروف وحالات تلك الفئة وسن من التشريعات ما يناسب حالهم فقد طرح عنهم فريضة الجهاد وقال ـ تعالى ـ : {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ} (61) سورة النور

وإنما ترك الأمر لهم كل يجاهد حسب قدرته واستطاعته.

ويدخل في ذلك ما بسطه الفقهاء في أمور العبادات وشروط الاستطاعة في الصلاة بما يناسب ذوي العاهات وكذلك الأمر في بقية فرائض الإسلام كالصيام والحج.

وعلى هذا الهدي سار المسلمون في العناية بذوي العاهات ومراعاة أحوالهم فمن ذلك أن الخليفة عمر بن عبد العزيز كتب إلى الولاة أن ارفعوا إلي كل أعمى في الديوان أو مقعد أو من به فالج أو من به زمانة تحول بينه وبين القيام إلى الصلاة فرفعوا إليه، فأمر لكل كفيف بمرافق يقوده ويرعاه وأمر لكل اثنين من الزمنى بخادم يخدمهما ويرعاهما.

كما أنشأ الوليد بن عبد الملك مؤسسات لرعاية هذه الفئة ووظف فيها الأطباء والخدام وأجرى لهم الرواتب وعين موظفاً لكل مقعد أو كسيح أو ضرير.

وأما المأمون العباسي فقد أنشأ مأوى للعميان والنساء العاجزات وعلى غرار هذا أقيمت المارستانات (المستشفيات) في كثير من حواضر العالم الإسلامي.(حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في الشريعة الإسلامية).

ومن هنا يتضح لنا أن الإسلام أولى عنايته الفائقة بتلك الفئة ونظر إليهم نظرة تعلي شأنهم وترعاهم وتجعلهم لبنة صالحة مفيدة للمجتمع مساهمة في بنائه على قدر استطاعتها بخلاف نظرة الحضارات والمجتمعات السابقة للإسلام والمعاصرة له.

عبدالعزيز بن عبدالرحمن السبيهين - الأمين العام لجائزة الأمير سلطان بن سلمان للأطفال المعوقين