عبر كتابه (ذاكرة للنسيان.. كتب محمود درويش عن القهوة.. ورائحة القهوة.. ووصفها بأنها مفتاح النهار..
كتبها وهو في بيروت زمن الحرب.. ووسط أصوات المدافع وانتشار رائحة البارود..
يقول محمود درويش: أريد رائحة القهوة.. أريد خمس دقائق أريد هدنة من أجل القهوة.. لم يعد لي من مطلب شخصي غير إعداد فنجان القهوة.. بهذا الهوس حددت مهمتي وهدفي.. توثبت حواسي كلها في نداء واحد واشرأبت عطشى نحو غاية واحدة.. القهوة..
والقهوة لمن يعرفها مثلي هي أن تصنعها بيديك لا أن تأتيك على طبق.. لأن حامل الطبق هو حامل الكلام.. والقهوة الأولى يفسدها الكلام الأول لأنها عذراء الصباح الصامت.. الفجر. القهوة هي هذا الصمت الصباحي، الباكر، المتأني، والوحيد الذي تقف فيه وحدك مع ماء تختاره بكسل وعزلة في سلام مبتكر مع النفس والأشياء، وتسكبه على مهل في إناء نحاسي صغير داكن وسري اللمعان، أصفر مائل إلى البني، ثم تضعه على نار خفيفة.. آه لو كانت نار الحطب..
ابتعد قليلاً عن النار الخفيفة لتطل على شارع ينهض للبحث عن خبزه..
شارع محمول على عربات الخضار والفواكه وأصوات الباعة المتميزة بركاكة المدائح.. واستنشق هواء قادماً من برودة الليل ثم عد إلى النار الخفيفة وراقب بمودة وتؤدة علاقة العنصرين: النار التي تتلون بالأخضر والأزرق والماء الذي يتجعد ويتنفس حبيبات صغيرة بيضاء ثم تكبر على مهل..