خلال حديث هاتفي مع صديق عربي مقيم بدبي، سألني هل يوجد لديكم إجازة مدرسية في هذا الشهر؟.. فأكدت له المعلومة واستفسرت منه عن سبب سؤاله الغريب كون كل الدول لديها إجازات خلال العام الدراسي، فأجابني بأنه علم بذلك من مدير أوروبي لأحد المطاعم التي يرتادها في دبي خلال حديثهم عن حجم نشاط المطعم، حيث ذكر له مسئول المطعم أنهم يستعدون لموسم الإجازة المدرسية بالسعودية هذا الشهر، لأنه يمثل فرصة كبيرة لتحسين الإيرادات.
إن أهمية المعلومة التي نقلت لي أن موسم الإجازات المدرسية الخاص بالمملكة بات مهماً لدول سياحية قريبة لأن السائح السعودي معروف بإنفاقه الكبير حيث وصل إلى 6.6 ألف دولار سنوياً للفرد الواحد وهو يفوق المعدلات العالمية بضعفين تقريباً مما يعطيه ميزة وأولوية لكل دولة سياحية تستطيع استقطابه، لكن المفارقة الغريبة أن تعديل الإجازات المدرسية بالمملكة كان بهدف تشجيع السياحة الداخلية لكن هذا الهدف لم يتحقق بالشكل المطلوب، كما يبدو بدليل الأعداد الكبيرة التي تغادر خلالها للخارج وحجم الأموال المنفقة من قبل السياح السعوديين بتلك الدول والتي تصدر بها إحصاءات من مصادر متعددة تتضح من خلالها الأرقام الضخمة التي تنفق من أعداد تقدر بمئات الألوف.
فقبل فترة قرأت تصريحاً لأحد مسئولي هيئة السياحة بالمملكة في معرض رده على حجم التأشيرات الصادرة وأنه لا يوجد تصنيف لمسمى تأشيرة سياحية بين ما يصدر من تأشيرات فكان جوابه بأن الهيئة تركز على السائح الداخلي وأتفق معه بوجهة نظره لأنه من غير المعقول أن تفكر بالسائح من الخارج ولديك نوعية من السياح المواطنين يعدون من الأعلى إنفاقاً بالعالم على السياحة بخلاف وجود الإمكانيات التي لو تطورت لاستقطبته، فالسياحة تُصنف كصناعة عالمياً لتعدد جوانب فوائدها على أي اقتصاد، فالسياحة ليست بظواهر تأثيرها كالنقل والإيواء والمطاعم والتسوق فلكل خدمة منها قطاعات تستفيد لتهيئة البيئة السياحية المناسبة فهي تدعم الصناعة وتوسع استثماراتها وكذلك قطاع الإنشاءات والخدمات الأخرى كالاتصالات والقطاع المالي وعدد كبير من القطاعات والنشاطات ترتبط بالسياحة.
فإيرادات السياحة بالمملكة وإن قدرت بحوالي 60 مليار ريال سنوياً، لكن جلها يأتي من موسمي العمرة والحج بحسب ما هو معتمد من إحصاءات ولكن الآثار لا تنتشر على كافة مناطق المملكة، وما زالت الاستثمارات السياحية محدودة قياساً بالفرص المتاحة، وإذا كانت هيئة السياحة المعني الأول عن القطاع تنظيماً وتطويراً وإشرافاً لكنها بدون تضافر جهود الجهات الأخرى ذات العلاقة بتنمية السياحة كخدمات وتمويل لن تتطور السياحة الداخلية ولن تنمو بالمستوى المأمول والممكن.
إن ما يحدث حالياً من نمو بالسياحة الخارجية على حساب الداخلية يُشكّل استنزافاً اقتصادياً يفوق معدلات الحوالات الخارجية للعمالة الوافدة، حيث وصلت تقديرات الإنفاق السياحي الخارجي عند 180 مليار ريال منذ عامين مما يتطلب تحركاً كبيراً وسريعاً من كافة الجهات المعنية لتطوير الخدمات السياحية ودعم الاستثمار بالقطاع بطرق متعددة وميسرة ووضع السياحة كأولوية بعمل أي جهاز تنفيذي مرتبط بخدمة القطاع وتنشيطه وإلا سيستمر نزف الأموال ونفقد فرصة مهمة لتنمية اقتصادية بمجال مربح ويمكن أن يستوعب أعداداً كبيرة من الشباب سواء بالتوظيف أو بالمشروعات الصغيرة التي ممكن أن يستثمروا بها وستبقى الإجازات المدرسية مجرد نافذة جديدة لاستفادة الدول المجاورة من السائح السعودي تزيد من عدد المواسم النشطة لديهم دون انعكاس على سياحتنا الداخلية عُدلت وصُممت هذه الإجازات لأجل تنميتها.