جازان - نايف عريشي - هادي شراحيلي:
لم تكن تخبئ لهم الأيام في طياتها أنّه سيأتي اليوم الذي يرحلون فيه من أراضيهم، تاركين وراءهم بقايا ذكرياتهم وأملاكهم التي يتنفسون عبرها الحياة والأمل، لتفتح لهم صفحة أخرى مليئة بالغربة والسفر ويتجرعون فيها مرارات الفراق والألم وربما النسيان.
هؤلاء هم نازحو الحدّ الجنوبي بمنطقة جازان، الذين قست عليهم الظروف ليتحوّلوا إلى قطار يسير بين دروب المدن بحثًا عن مكان يحتويهم ويخفف عنهم قساوة الغربة وألم السفر والابتعاد.
لم يمرّ وفاء وتضحية أبناء الحدّ الجنوبي مرور الكرام، لدى الدَّولة - أعزها الله - فقد أهدى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز، رعاه الله، 10 آلاف وحدة سكنية لأبنائه النازحين من الحدّ الجنوبي في منطقة جازان، مما أدخل في قلوب الكثيرين منهم الفرحة وخفف من معاناة تنقلاتهم.
ولكن لم تدم هذه الفرحة لدى البعض منهم بعد انتظار طويل، بعد أن أحيل أمر توزيع إسكان الملك عبد الله التنموي إلى وزارة الإسكان، التي وضعت شروطًا لا تتوفر لدى فئات عدَّة من النازحين، بل اعتبروها بالنسبة لهم شروطًا تعجيزية، وخصوصًا ما يتعلّق بالشريحة المهمة منهم، وهم: الأرامل والمطلقات والأيتام.
صالحة.. في بيت من الصفيح أعلى الجبل
تحكي المواطنة صالحة شراحيلي، وهي أرملة نازحة لـ(الجزيرة) عن معاناتها وسكنها في أعالي جبال «مسلا» التابعة لمحافظة أحد المسارحة، في بيت متنقل من الصفيح، أجبرتها الظروف وارتفاع أسعار الشقق المفروشة إلى تحمل السكن فيه بلا كهرباء لتواجه صقيع البرد، وقرص البعوض، وحولها أكوام من الحطب تبيع منه ما تسد به احتياجاتها وطفليها اللذين يعيشان معها، مطالبة المسؤولين في وزارة الإسكان أن ينظروا لمن أجبرتهم الظروف للخروج من منازلهم، بالحصول على مسكن يحميهم من البقاء في العراء!
أما المواطنة هيعه شراحيلي، فقد روت هي الأخرى لنا عن معاناتها جراء آلام الغربة وحرقة الاغتراب اللذين يلازمانها بعد فقدان الأمل بالحصول على وحدة سكنية، مما اضطرها للسفر لابنها في مدينة الرياض، بعد أن رفضت المحافظة أوراقها بسبب عدم انطباق الشروط عليها، لأنّها أرملة، مع العلم أنها كانت تملك سكنًا من السابق، ومتمنية من المسؤولين إيجاد حل لمعاناتها هذه. من جانبه يتحدث سلمان شراحيلي، المولود في قرية الكرعمي والبالغ من العمر 70 عامًا، فيقول: إنه فقد منزله بقريته التي عاش فيها وحيدًا، ونزح بعدها إلى تبوك ومن ثمَّ إلى الرياض. وأشار إلى أنَّه بسبب كونه وحيدًا ولا يملك أيّ عائلة أو أولاد لم يحصل على وحدة بسبب الشروط التي حرمته فرحة السكن. قائلاً: كيف سأقوم في هذا العمر بتوفير منزل، ومن سيعوّضني عن منزلي الذي فقدته أيام الحرب؟
أما الأرملة علااللة شراحيلي، فقد لاحظنا أنها تسكن في غرف متهالكة، على بعد أمتار من ابنتها التي تسكن في إسكان الروان، فقد فضلت القرب منها لتعيش معها باقي حياتها. ويحكي لنا ابنها خالد شراحيلي، فيقول: إن والدته رفضت البعد عن ابنتها التي تسكن في نفس الإسكان، فلم نجد لها سوى غرف مسقوفة من الزنك بجانب الإسكان ندفع لها أنا وإخواني تكاليف الإيجار، حتَّى لا تحرم من ابنتها ولتكون بالقرب منها تزورها لتساعدها كونها كبيرة في السن مشيرًا إلى أن والدته تعيش على أمل أن تصرف لها وحدة سكنية بجانب ابنتها بدلاً من تلك الغرف المتهالكة.
شيخ شمل قبائل الكعوب: تأكَّدت بنفسي من أحقيتهم
من جانبه عبَّر شيخ شمل قبائل الكعوب الشيخ أحمد معشلي، عن شكره لجهود خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله- وتوجيهه الكريم بتسليم 10 آلاف وحدة سكنية للنازحين في المنطقة. مشيرًا إلى أنه تَمَّ تسليم الكثير من النازحين الوحدات حسب الشروط والاشتراطات من قبل إمارة منطقة جازان. وأضاف أنه لا يزال هناك فئات لم تستلم منازلها من قبيلته حتَّى الآن بالرغم من استحقاقهم لها، ومؤكِّدًا أنّه وقف على أحوالهم شخصيًّا وتحقق من استحقاقهم للسكن.
وعبَّر معشلي، عن الحزن الذي يعيشه الأرامل والمطلقات بعد تحويل إسكان الملك عبد الله إلى وزارة الإسكان وتسببه في إدخال شروط صعبة حرمتهم من استحقاقهم للسكن، وعدم تسليمهم وحداتهم التي وعدوا بها سابقًا، وحزنت كثيرًا عندما رأيت أحوالهم وبخاصة الأرامل منهم والمطلقات وكذلك أصحاب المعاملات الذين لهم معاملات رسمية في الأحوال والمتزوجين في فترة النزوح وكذلك فئة أخرى مهمة، وهم الأيتام، حيث قال الله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ }، فهم لم يجدوا منازل يسكنون فيها وتسترهم. ومن خلال منبر هذه الصحيفة، فأنا أناشد ولاة الأمر بما عهدناه لديهم من عطف ورحمة بأبنائهم أن ينظروا إليهم ويهتموا بأحوالهم، وأن تصدر التوجيهات بما يرونه مناسبًا لهم، بعد قرار نقل السكن لوزارة الإسكان، وأن تتم مراعاة هؤلاء النازحين بأي طريقة أو وسيلة، فهم مستحقون لهذه المنازل التي أمر بها مليكنا المفدى. ونتساءل: أين يسكنون إن لم يجدوا منازل تحتضنهم وتأويهم.
شيخ شمل قبائل بني شراحيل: هذا الموضوع بات شغلنا الشاغل
وخلال جولتنا التقينا بشيخ شمل قبائل بنى شراحيل حسن سيبان شراحيلي، فأوضح لنا بقوله: إن شروط الوزارة أزعجت شريحة كبيرة من الأهالي الذين توفرت لديهم الشروط والمعايير المطلوبة من قبل الإمارة. ومن هنا فأرجو من ولاة الأمر النظر في استحقاق هذه الفئات، والعمل على إصدار التَّوجيه للوزارة بتسليمهم وحداتهم السكنية، لأن هذه الفئة هي التي نحمل همَّها، بل إنها أصبحت هي شغلنا الشاغل في الوقت الراهن.
وأضاف بقوله: أودُّ بهذه المناسبة أن أرفع شكري وتقديري لمقام خادم الحرمين الشريفين، على ما قدمه ويقدمه لأبنائه النازحين في محافظة الحرث بجازان، ذلك أن ما تَمَّ تقديمه من خلال عشرة آلاف وحدة سكنية للنازحين، إنما إهداء عظيم لجميع النازحين الأمر الذي سيخفف ولا شكَّ من معاناتهم كثيرًا. مشيرًا إلى أنّه ولله الحمد، تَمَّ إسكان معظمهم بعد استيفاء الشروط والمعايير، إلا أن شروط وزارة الإسكان صدم شريحة كبيرة من أبنائنا وبناتنا النازحين، حيث إنهّم يتوزعون على فئات حسب اشتراطات إمارة المنطقة، واللَّجْنة المشكلة لتسليم النازحين وجميعهم تنطبق عليهم معايير النزوح، ولكن بعد التحويل لوزارة الإسكان، فإنَّ البعض أو الأغلبية لا تنطبق عليهم شروط وزارة الإسكان، وخصوصًا الأرامل والمطلقات والشباب المتزوجين بعد وأثناء النزوح، وكذلك الأيتام وأصحاب التصاريح ممن لهم معاملات في الأحوال المدنية والفئة الأخيرة ممن يسكن خارج المنطقة بحكم عمله، ولديه إسكان داخل الحرم الحدودي قبل النزوح فجميع اشتراطات وزارة الإسكان لا تشملهم نهائيًا، والبعض منهم لا يوجد لديه دخل ثابت في السابق والإعانات التي تساعدهم تَمَّ إيقافها عنهم، وأصبحوا يعانون من صعوبات في المعيشة والسكن. مناشدًا خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني، وسمو الأمير محمد بن ناصر، أمير المنطقة بالنظر لهؤلاء المستضعفين والمساكين فهم خرجوا من أرضهم طوعًا لولاة الأمر وتلبية للنداء، فأرجو التكرم بالنظر في القرار الصادر وتسليمهم وحدات سكنية فهذه الفئة هي التي نحمل همَّها، إِذْ بعد إبلاغهم من قبل الإمارة بأن يراجعوا وزارة الإسكان، عادوا إلينا ونحن لا حول لنا ولا قوة في الأمر. كما تحدث الأستاذ حسن محه شراحيلي، أحد الذين سكنوا في الوحدات السكنية، فقال: إن حكومتنا الرشيدة تسعى جاهدة لراحة المواطن ورفاهيته في كلِّ أرجاء الوطن، ومنطقة جازان تحظى باهتمام كبير من قبل ولاة الأمر، وإن خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله- كان قد أمر ببناء عشرة آلاف وحدة سكنية لأبناء المنطقة، نفذ منها ستة آلاف وحدة سكنية للنازحين من محافظة الحرث، وقامت بتسليم أكثر الأسر مساكنهم وبقيت فئات مهمة من النازحين لم يستلموا مساكنهم، وهم الأرامل المتوفى أزواجهن وليس معهن أولاد، والمطلقات من أزواجهن وليس معهن أولاد، أو أن أولادهن مستقلون بأنفسهن ويعيشون خارج منطقة جزان، والشباب الذين تزوجوا بعد النزوح وكذلك المتقاعدون من أبناء هذه المحافظة ولهم ممتلكات ومساكن داخل محافظة الحرث. ويكمل حديثه بحسرة فقال: أتمنَّى رؤية هذه الفئات مجتمعين في الإسكان الجديد. متسائلاً: أليس لهؤلاء الناس الحق في تسلّم مساكن لهم تؤويهم وتلم فرقتهم بأهاليهم من بعد طول غياب؟ ومضيفًا أن إسكان الملك عبد الله لوالديه لوزارة الإسكان كان فرحة كبيرة لجميع النازحين، والأصل أن يَتمَّ التسجيل فيه بعد أن ينتهي تسكين من نزحوا من محافظة الحرث، وخرجوا من ديارهم ومساكنهم التي أخليت إبان الحرب ضد الحوثيين في الحدّ الجنوبي. ويقول جابر شراحيلي، الذي يملك منزلين بقرية الخشل، لـ(الجزيرة): أنا ممن يملكون منزلاً داخل الحرم الحدودي، ولكن عملي بمدينة الرياض حال دون حصولي على سكن مع أفراد قبيلتي، وقد تَمَّ وعدنا من قبل المحافظة بالنظر في أحوالنا في حال تسليم جميع النازحين، ولكن وعدهم لنا بالنظر ذهب في مهب الريح، وخصوصًا بعد أن تَمَّ تسليمها لوزارة الإسكان. لذا لا استطيع الحصول على سكن أنا ومن يعمل خارج منطقة جازان وذلك بسبب الشروط التعجيزية التي وضعتها الوزارة. وأناشد المسؤولين بالنظر في وضعنا ومساعدتنا أنا، ومن يعمل مثلي خارج المنطقة بالحصول على سكن يأوينا.
الإمارة: باقي الوحدات السكنية للحالات الفردية بعد دراستها
المتحدث الرسمي لإمارة منطقة جازان الأستاذ علي بن موسى زعلة، قال في تصريح سابق له: إنه بمتابعة موضوع حرمان الأرامل والمطلقات اللاتي يعشن وحيدات دون أسر من الحصول على وحدات بمشروع إسكان النازحين، وبحث ما لدى اللجنة العليا المكلفة بهذا الملف من تعليمات وآليات، اتضح أن التوزيع وفقًا للأمر السامي الكريم اقتصر على الأسر السعوديَّة النازحة، مع إعطاء الأولوية في الوحدات السكنية للأسر النازحة من حرم الحدود، وليس الأفراد. مشيرًا إلى أنّه بالنسبة للأرامل اللواتي لديهن أبناء فقد تَمَّ بالفعل إسكانهن جميعًا ممن انطبقت عليهن قواعد التوزيع. جاء ذلك تعقيبًا على ما تَمَّ تداوله عبر بعض وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية حول حرمان الأرامل والمطلقات اللاتي يعشن وحيدات دون أسر من الحصول على وحدات بمشروع إسكان النازحين. وأوضح زعلة أن المطلقات اللواتي لديهن أبناء ويوجد لديهن صك إعالة لأبنائهن فقد تَمَّ إسكانهن فعليًا، بعد أن انطبقت عليهن المعايير المعتمدة. وأشار إلى أن إمارة المنطقة ترى أن يستفاد من باقي الوحدات السكنية لدراسة الحالات الفردية التي لا تتوفر لها سكن، وكذلك المتزوجون أثناء الأحداث والمتقاعدون من أبناء القرى الحدودية المشمولة بالمشروع، وقد بدأت بدراسة هذه الحالات تمهيدًا لمعالجتها. وأضاف أنه نظرًا لصدور الأمر السامي الكريم الذي قضى مؤخرًا، بإحالة ملف إسكان النازحين إلى وزارة الإسكان، فإنَّه يمكن لمثل هذه الحالات تقديم طلباتها من خلال بوابة الوزارة.