اطلعت على ما كتبه الكاتب الأستاذ محمد عبداللطيف آل الشيخ في عدد 23-2-2014م تحت عنوان: (اليمن الانفصال هو الحل).
بداية أشكر للكاتب المتميِّز محمد آل الشيخ اهتمامه بالشأن اليمني ولن اجعل المدخل لنقاشي لما كتبه في «الجزيرة» الغرَّاء، لن أدخل -كما جرت العادة في معظم النقاشات العربيَّة- بإيراد جملة من الاتهامات وكأني مدع عام يواجه أحد المتهمين لكني أدخل في صلب الموضوع مباشرة، مشيرًا إلى جملة من الحقائق التي تُوضِّح الصورة لمن لا يعرفها ناهيك عن أن الانفصال في كلِّ زمان ومكان أو أيّ بلد لن يكون حلاً والسودان أوضح مثال على ذلك واليمن قبل الوحدة أيضًا.
القبيلة ليست عارًا وقد ذكر الله في محكم كتابه أنّه جعل الناس شعوبًا وقبائل واستناد الأستاذ محمد إلى أن الشمال قبائل -كمبرر للانفصال- بعيد كل البعد عن الصواب، فكلّنا في الجزيرة العربيَّة قبائل ولم يكن الجنوب دولة كما أشار الكاتب وإنما كان دولاً قبل الاشتراكية كان سبعًا وعشرين سلطنة ومشيخة وعدن مستعمرة بريطانية، في حين كان اليمن الشمالي دولة ولو شكلية أفرغها النظام الامامي من محتواها. وعندما قامت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية كان الشماليون من أبناء تعز وإب المحاذيتين لعدن هم الذين استلموا حكم الجنوب بحكم نضالهم ضد الاستعمار البريطاني ومع ذلك فإنَّ سياسة القبضة الحديدية التي انتهجها الحزب الاشتراكي لم تنجح في طمس الهوية القبلية لسكان الجنوب، التي كانت السبب في نشوب عدَّة حروب وتصفيات لا أدري كيف فات الأخ محمد آل الشيخ تذكر واحدة منها، وهي 13 يناير التي استخدمت فيها صواريخ عابرة القارات في حروب داخل حارات، وأطلق يومها الكاتب العربي الأستاذ أحمد بهاء الدين تسمية قبائل بني ماركس على سكان الجنوب.
كان المواطن في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قبل الوحدة محرمًا عليه الانتقال من محافظة إلى محافظة، بل من حي إلى حي إلا بإذن من اللجان الشعبية، وهي كيانات استخبارية أنشأها الحزب على غرار اللجان الثورية في ليبيا، حتَّى إن الأخ كان لا يستطيع أن ينام في بيت أخيه في حي غير الحي الذي هو فيه داخل المدينة، ناهيك عن سياسة التأميم التي صادرت الأملاك وأفقرت الناس كلّّهم، وعاشت اليمن الجنوبيَّة على القروض والمساعدات من الاتحاد السوفيتي ودول حلف وارسو والإنتاج الاقتصادي صفر بكلِّ ما تعنيه الكلمة، ودخل الحزب الوحدة بقروض خمسة مليارات ريال ووضع تنموي مزرٍ، بينما اليمن الشمالي التي يتجاوز سكانها ضعفي سكان الجنوب كانت ديونها 3 مليارات ريال والحالة التنموية متقدِّمة جدًا.
والآن الحديث عن الانفصال مطلب بقايا القوى المتنفذة بقيادة البيض مدعومة من إيران والسلاطين والشيوخ القدامى، حتَّى إن فصائل الحراك بلغت 78 فصيلاً قد يستطيعون حشد مليونية لكنهم يختلفون فيمن يلقي الكلمة.
نعم سلم العالم بوجود قضية جنوبية تمثّلت بما مارسه علي عبد الله صالح ومؤسسته الحاكمة من مظالم في الشمال والجنوب على حدٍّ سواء وقامت ثورة في سياق ما سُمِّي بالربيع العربي وتداعى الأشقاء والأصدقاء لمساعدة اليمنيين على إعادة لم شملهم وبناء دولتهم وانتهى مؤتمر الحوار بالتَّوصُّل إلى اعتماد النظام الاتحادي وحصل الجنوبيون وهم 25 في المئة من إجمالي السكان على 50 في المئة من السلطة وغيرها وبعد كل هذا يأتي الأخ محمد آل الشيخ يدعو إلى الانفصال، وأريد أن أطرح عليه سؤالاً: المناداة بانفصال الجنوب وفق أيّ صيغة؟ لأن العودة إلى دولة الحزب الاشتراكي مستحيلة والعودة إلى ما قبل الحزب كارثة والمطلع على واقع المواطنين من الداخل خصوصًا أبناء عدن سيعرف أنهَّم لا يريدون إلا دولة توفر لهم الأمن والاستقرار ولا همَّ لهم بالانفصال.
وأتمنَّى على من قرأ ويقرأ يدرك ويعي أن ما كتبه الأستاذ محمد آل الشيخ يعبِّر عن رأيه هو وذلك حق مشروع لأي كاتب عربي عُرف عنه الاهتمام بالقضايا العربية، ومن المؤكَّد أن المملكة أحرص ما يكون على وحدة اليمن، واطمئن كل الخيّرين أن اليمن بخير وإرثه الحضاري سيمكنه من تجاوز كل العثرات، وقد أثبت رجال القبائل المتخلفون أنهَّم أكثر وعيًا من غيرهم إذا استمرت ثورتهم سلمية في مواجهة القمع وتوفر السلاح وتجلّت الحكمة اليمانية بأروع صورها في ذلك المنعطف الحالك والخطير. أما اليوم فالتوجُّه لبناء دولة اتحادية عصرية سيذوب مراكز القوى التقليدية لتبنى الدولة على أنقاضهم وإن غدًا لناظره قريب.