أجمل ما في عالم العطارين وأعمالهم هو مسمى مهنتهم، وجمال مهمتهم؛ فلا أروع من العطر الذي يضرب به الأمثال منذ آلاف السنين حتى هذه الأيام، فالمثل أو المقولة في عالم العطارة والعطارين لا يخرج عادة عن مضامين شذاها وعمقها الطيب، وأثرها الوجداني الجميل في الذات الإنسانية.
فالعطار غالباً ما يكون شاهداً على الحياة الإنسانية، ومزيناً لها، وضيفاً حاضراً ولطيفاً في مناسبات الناس الجميلة والسعيدة، بل إن الأمثال ظلت تتوارد على العطارين ومهنتهم، على نحو نقد الكِبَرِ والهرم وبوادر الشيخوخة حينما يتجمل الإنسان ليقال
في المثل: «هل يُصلح العطار ما أفسده الدهر؟!». والأجمل أيضاً المثل القائل: «لا عطر بعد عروس». والأمثلة كثيرة ومتعددة.. أي أن العطارة هي من تحضر في المناسبات قديماً وحديثاً، حتى أن من يريد أن يهدي أحداً هدية ما فإن أول ما يتبادر إلى ذهنه العطر، بوصفه أول أمر مستحب، وقيمة معنوية عالية الجمال.
ففي العصر الحديث، ومع تحولات الحياة وتطوُّرها، وطفراتها الصناعية والعقارية، وهجماتها الاستهلاكية، ظن البعض أن مهنة «العطارة» ستكون من الماضي؛ لأن الزمن ربما سيتجاوز العطارين إلى كل مصنع، وآلي، أو ما هو قادم من شركات العطور والأعشاب المعدة بكل عناية وترتيب وأناقة.
إلا أن ما يلاحَظ على هذه المهنة أنها بقيت صامدة، وتحافظ على وجودها وكيانها، بل تزداد محلاتها وأماكن عرضها، ويقبل عليها الناس، رغم أنه من المفترض والنظري أن يتحولوا عنها، ولاسيما فيما يتعلق بسبل العلاج والأدوية، إلى الصيدليات الحديثة، إلا أنها ظلت قائمة ومقصداً لمن يريد الاستطباب؛ فهناك من يخرج من الصيدلية ليذهب إلى محلات «العطارة» والعطارين طلباً للاستشفاء، والبحث عما هو مذكور ومجرب!
ورغم تطوُّر الطب الحديث، ولاسيما الصيدلة، إلا أن العطارين لا يزالون يقومون بمهمتين مزدوجتين، هما التشخيص والعلاج. فالتشخيص لدى العطارين يُبنى على أمور افتراضية، يشرحها المريض. أما العلاج وصرف الدواء فإنه يعتمد على مجرد التخمين وإعطاء الوصفات العشوائية، إلا أنها لا تكون بدرجة خطيرة طالما أنها من قبيل الأعشاب والعطورات والزهورات المجربة. أما إن دخلت فيما هو مركب كيميائي، أو مساحيق، أو محاليل فإنها قد تكون خطرة وضارة على جسم الإنسان.
ورغم سعي المنظمات الطبية المحلية والعالمية في العصر الحديث إلى دمج هذه المهنة بما يُعرف بالطب البديل، ومن ثم تحولها إلى مسمى الطب التكميلي، إلا أن هناك من لا يزال يعمل في هذا المجال، ويؤسس له بشكل قوي.
وحينما تقوم الجهات الطبية والأكاديمية والأجهزة المتخصصة بمتابعة هذه المهنة وتقييم دورها وفاعليتها فإن هناك من يرى ازدواجاً ما في الدور الذي تقوم به محلات العطارة؛ إذ لا يزال الأمر حائراً بين «هيئة الدواء والغذاء» باعتباره علاجاً، أو أنه من قبيل العمل التجاري الحر، ويتبع لـ«صحة البيئة». وهذا الأمر لم يُفصل فيه حتى الآن.
فالعطارون، ومنذ أن باتت مهنتهم تُزاحَم من قِبل الصيدليات والمستوصفات والمستشفيات، لا يزالون يناضلون، ولم يركنوا للاستسلام، بل باتوا يطورون مهنة «العطارة»، ويكتشفون سبلاً جديدة للتأثير في المستهلك حينما تحولت إلى ما يشبه التجارة، ومنظومات الشراكات الموسعة، والتغليف الأنيق، ووسائل الحفظ الجذاب للمستهلكين.