بلا شك نحن في زمن يمثل فيه الأمن بكل متطلباته أهم التحديات.
ومتطلبات الأمن لا تعني فقط التفاعل مع ما يحدث في الشوارع، وعلى الحدود, بل تشمل ما يحدث أيضا بين الجدران في المنازل, ومؤسسات التعليم, والمساجد, والديوانيات.
هنا تتداخل مسؤولية كل القطاعات والجهات عن الأمن والاستقرار المستقبلي، وأمن الوطن يبدأ بتأهيله وضمانه لمصدر دخل مادي. وأمن المجتمع في أن يكون هذا الدخل من مصدر يحلله الدين ويجيزه القانون. وأمن الوطن في ألا يضطر المواطن الى تجاهل مسؤولية المواطنة لأنه لسبب أو لآخر محروم من حقوقها.
عند كل مناقشة لتقرير من جهة حكومية, يطرح في مجلس الشورى السؤال عن برامج تدريب وتوظيف الشباب، ونسبة مشاركة النساء في الوظائف. وفي كل قرار رسمي يأتي التأكيد أن توظيف الشباب ومشاركة المواطنات في كل ما يتعلق بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية أمر مصيري, وجزء لا يتجزأ من الرؤية القائمة لصناع القرار.
ثم يتضح أن الرؤية المستقبلية الحكيمة تجد أعتى معوقاتها وقت التنفيذ من معتادات أعرافنا, وانحراف الممارسات عن مثاليات عقيدتنا لإخضاعها لتفضيلات الأعراف, والانتقائية الفئوية الفردية للتفسيرات والخيارات، وفي كل يوم أتابع بجدية الحوارات القائمة في منابر التواصل الاجتماعي الجديد في الفيسبووك وتويتر - وهي ما يعكس أوضاع المجتمع على أرض الواقع من حيث الرؤى والتمنيات والمعاناة - أجد فيضا متكررا من الشكوى من مواطنين مؤهلين, ومن ضمنهم مواطنات مؤهلات, لم يجدوا بعد فرصة للدخول إلى الفاعلية الاقتصادية . وسواء وافقنا أم لم نتفق على مرئياتهم وتبريراتهم لمطالبهم، لابد من إيجاد حلول لمعاناتهم, كمواطنين لهم كل حقوق الاستقرار ماديا ونفسيا وعاطفيا, ليكتمل شعورهم بالانتماء والاستقرار والرضى. أوضاع معاناتهم كما يصفونها, تزيد بلا شك من المشاعر السلبية, والاحتقان, واحتمالات القلقلة الاجتماعية.
الشباب السعودي, من الجنسين يمثل شريحة الغالبية بين المواطنين اليوم.كل الإحصائيات على تفاوت معاييرها تشير الى كون الفئة العمرية تحت سن الـ25 عاما تقارب 70%. وهي الشريحة التي تحتوي خريجي مؤسساتنا التعليمية للمرحلة الثانوية والجامعية؛ وهي أيضا الفئة التي تحتاج إلى تأمين مصدر دخل فردي لكي تحقق الاستقرار النفسي بالزواج وتكوين عائلة. ولكن أعداد من لم يجدوا الوظائف المرضية تتصاعد؛ وتوقعات المختصين المستقبلية تشير إلى احتمالية تفاقم الأزمة بعودة آلاف المبتعثين بعد تخرجهم الى الوطن، وستكون معاناة الشابات مضاعفة في أجواء تصنيفاتنا للدور الذي يناط بالرجل والمرأة. ما زال المجتمع يحمل «الرجل» مسؤولية توفير احتياجات عائلته, ولذلك فالمعتاد هو أن توظيف المؤهلات من الإناث يأتي في المرتبة الأقل أهمية من توظيف الذكور. وكثيرا ما توضع شروط لقبول الوظيفة, كاشتراط العمل في وظيفة حكومية أو سلك التعليم العام للمرأة ,وهو الآن مكتظ ولا يملك ترف توظيف كل من يرغب.
بقي أن الأمر ليس مجرد استعراض اكتظاظ قطاع, وأنانية قطاع, وانتقائية المجتمع لقيمه وممارساته الفردية. القضية مسألة أمن مستقبلي لا يمكن تجاهل مضاعفاتها ولابد من العمل كفريق لصد المتوقعات السلبية.