جُبل ابن آدم على علو الهمة والطموح.. فقالت العرب: رجل بلا طموح كجسد بلا روح.. وقالوا: قدر المرء على قدر همته.. وفي الحديث (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف...) ... فهذه الشهادات العلمية، لها ضريبتها الشرعية والاجتماعية والعملية.. فالشهادة سميت شهادة لأنها شاهدة لك أوعليك، في دينك وعملك، وأمانتك وأخلاقك ومروءتك.. لذا قال الفاروق الملهم رضي الله عنه: تفقهوا قبل أن تُسوّدوا).. والنبي - صلى الله عليه وسلم -ندَب إلى تسمية حارث وهمام ..تفاؤلا بعلو الهمة والحرث.. ولو أخذنا أولا مسمياتها في الأصل لوجدنا أننا نغلط فيها.. فالشهادة الجامعية، نسميها: بكالوريوس أو لسنس.. وهي في العربية الفصحى، (العالية).. والماجستير، (العالمية)، والدكتوراه (الاُستاذية أو العالمية العالية)..، وأنا أقول: العبرة بالأفعال والمعاني، لا بالألقاب والمباني).. وكان العلماء يتحرجون من ألقابهم ويكرهونها، كما قال النووي (لا أجعل في حلّ من سماني محيي الدين أو شرف الدين).. وبعضهم يتسمى بنور الدين شرف الدين.. وهو هدم الدين وخسفه!!! كما قال الشاعر:
تسمى بنور الدين و هو ظلامه
وآخر شمس الدين وهو له خسف!!
وللألقاب سحر كسحر الجمال، وبريق كبريق المال.. قال معالي الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله -إن إغراء هذا اللقب جعل الكثيرين يتمسحون به بحق وبغير حق، فالطبيب يصدر اسمه به، والصيدلاني، والحاصل على الدكتوراه الفخرية، وهذه أعجوبة الأعاجيب!!!!! ولهذه الشهادات نقاط حبذا أن تبقى منا على بال...
أولا: إنها إما حجة لك أو عليك..:(وعن علمه ماذا عمل به..)
ثانيا: ليست مقامات الرجال بالدكتوراه لوحدها.. فالشهادة لها ضريبة ودَين لابد من دفعه كما قال تعالى:{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثَِ}
وقال: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ}.. وكما قال الشافعي رحمه الله:
وأدِ زكاة العلم واعلم بأنها
كمثل زكاة المال تم نصابها
ثالثا: في المجتمع أخيار كرام ، أنقياء، أتقياء، لم يحصلوا عليها، ولكنهم خير من عشر ممن حملوها وأهملوها..
رابعا: إن لم يستفد مجتمعك من شهادتك فسيقولون:
إذا ما لم يفدك العلم خيرا
فليتك ثم ليتك ما علمت
خامسا: ربما يدخل حاملها الزهو والعجب والغرور.. فيتكبر ويتجبر.. وهذه قاصمة الظهر عند الله وعند خلقه. قال الفاروق رضي الله عنه (من ظن أنه عالم فهو جاهل).
سادسا- عدّ علي-رضي الله عنه..(طبعا لن نقول كقول المبتدعة: (كرّم الله وجهه).. لوجود غيره من الصحابة أيضا لم يسجدوا لصنم قط.. قال: إن المكارم ألوان منوعة فالدين أولها، والعلم ثانيها، والحلم ثالثها والجود رابعها... إلى أن عدّ عشرة خصال.. فليست المكارم حِكرا على هذه الشهادة..سابعا: ربما كانت هذه الشهادة اختبارا وابتلاء كما قال تعالى: {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ}
والإنسان كما تعلمون ضعيف ضعيف أمام المغريات والألقاب والدرجات العلمية.. وقد درج العظماء على مقت تكنيتهم بالألقاب.. فهذا البخاري يذكر اسمه مجردا.. يقال رواه البخاري.. ورواه مسلم وغيرهم.. والسلام عليكم.