اعتزال الصدر.. بداية التغيير في الخريطة السياسية العراقية

جاء البيان الذي أعلنه السيد مقتدى الصدر، معلناً من خلاله عزمه الاعتزال عن الحركة السياسية العراقية وإغلاق معظم المكاتب الحزبية التابعة للتيار الصدري، ومنح أتباعه الخيار في الاستمرار في العملية السياسية وخوض الانتخابات القادمة بصفة (المستقلون)، مشكّلاً حالة من الذهول في الأوساط الحزبية المشاركة في العملية السياسية، وأكد الصدر دعوته بالمشاركة الفعّالة فيها، وأنه كمواطن عراقي سيمارس حقه في الانتخابات القادمة ويصوّت لمن يراه يستحق صوته الانتخابي ويتوخى فيه خدمة المواطن والوطن العراقي بإخلاص وأمانة.

يعيش المجتمع العراقي حالة لم يسبق أن عاشها في تاريخه السياسي من الفوضى الأمنية والفساد الإداري والمالي وانعدام الخدمات العامة وحياته الخاصة مزيج من الخوف والقلق، محفوفاً بنيران شبح الحرب الأهلية والتي بدأ دخانها يتصاعد مع تفاعل الأحداث الجارية في منطقة الأنبار الصابرة حالياً، وقد وصف القيادي في التيار الصدري السيد أمير الكناني قرار قائده بأنه جاء نتيجة نفاد صبره لمسيرة العملية السياسية والمجموعة المتسلطة على الحكم في المنطقة الخضراء المحصنة!.

ووصفت صحيفة الإندبندنت اللندنية (أن الإعلان المفاجئ لاعتزال الزعيم الشيعي مقتدى الصدر عن الحياة السياسية العراقية بأنه يُعد تصعيداً حاداً للأوضاع السياسية المضطربة والتي يعيشها العراق حالياً ويتجه هذا الإعلان كمؤشر للاحتجاج على الممارسات الطائفية التي يُتهم السيد نوري المالكي رئيس الوزراء باستخدامه الورقة الطائفية كمحفز في الانتخابات البرلمانية القادمة، تمهيداً لاحتكار أصوات الطائفة الشيعية في الوسط

والجنوب من العراق.

ويعرض المالكي نفسه كزعيم للطائفة الشيعية وأن حزبه الممثل الوحيد لها، ملغياً بتفكيره هذا قرار الناخب العراقي الشيعي ومحتكراً لأفكاره السياسية في محيط الانتماء المذهبي، ناسياً ومتناسياً أن مؤسسي الحزب الشيوعي العراقي وحزب البعث العربي الاشتراكي من أهالي مدينة الناصرية ذات الأغلبية الشيعية!.

وقد اعتمد الصدر على تاريخ عائلته الديني والسياسي والمكانة الروحية العالية لوالده وعمه الشهيدين في أوساط الطائفة الشيعية الكريمة في العراق لما قدماه من تضحيات غالية في سبيل الإسلام وحماية حقوق الشعب العراقي، وقد وجّه السيد مقتدى الصدر اتهامات غير مسبوقة بقوتها وصراحتها لشخص رئيس الوزراء المالكي بوصفه بالدكتاتور قائلاً: (ليتربع الدكتاتور والطاغوت متسلطاً على الأموال فينهبها وعلى الرقاب فيقصفها وعلى المدن فيحاربها،

وعلى الطوائف ليفرقها وعلى الضمائر فيشتريها وليكون الجميع مصوتاً على بقائه، واستمر بهجومه الشديد بقوله: وقد حوّلت حكومة المالكي العراق بلا حياة ولا زراعة وصناعة وبدون خدمات فاقد الأمن والأمان والسلام، ويجري انتخابات يروح ضحيتها الآلاف ليتسلط علينا بحكومة ضعيفة لا ترعى الإيمان ولا الذمة.. إنهم يريدون عراقاً يحكمه ذئاب متعطشة للدماء ونفوس تركض خلف المال تاركه شعبها في بحر العذاب والخوف تعصف به الاغتيالات الغادرة من كل جانب والحكومة تتفرج.. إنهم ثلة جاؤوا من خارج الحدود ليحكمونا ويتسلطوا على العراق).

يعتقد بعض المحللين السياسيين بأن اعتزال الصدر وخروجه من الساحة السياسية سيعطي (هدية) للمالكي وحزبه الحاكم بالانفراد بالبيت الشيعي والاستحواذ على أصواتهم الانتخابية، وأخالفهم الاعتقاد هذا بنظرة استباقية للسياسة العراقية، وأن الصدر نفذ تكتيكاً سياسياً جديداً وذكياً ليخرجه من دائرة الإحراج من (بعض) دول الجوار والتي جربت ضغطها هذا عليه في عام 2010 م حين ساند ترشيح المالكي لولاية ثانية، وأتوقع ظهور تكتل سياسي جديد يضم أنصار الصدر وأتباعه بزعامة السياسي جعفر محمد باقر الصدر والذي يتميز باحترام ورضا كافة الكتل السياسية العراقية وبعيد عن محيط النفوذ الإيراني ،حيث ينتمي إلى مدرسة الاتجاه العراقي العربي ويفضل قيام الدولة المدنية الملتزمة بسلطة القانون والبعيدة عن التمركز المذهبي، وقد تلقى دراسته العليا في العلوم القانونية بلندن، وقد قدم استقالته من البرلمان العراقي احتجاجاً على الاتجاه الطائفي، وتفشي الفساد الإداري والمالي في مؤسسات الدولة ويُعتبر أول نائب منذ الاحتلال الأنجلو - أمريكي للعراق يقدم استقالته محتجاً على الممارسات اللا إنسانية التي يعيشها الشعب العراقي الصابر، وقد تزايدت شعبية التيار الصدري في الأربع سنين الماضية لمواقفه الوطنية في كشف مخالفات الحكومة واتجاهها الوطني، ومن المتوقع أن يحرز رقماً عالياً في نتائج الانتخابات القادمة لسعة قاعدته الشعبية وميله نحو الوحدة الوطنية العراقية ومحاربة الطائفية والفساد الضارب في الأجهزة الحكومية، وسيبقى مقتدى الصدر المرجع والأب الروحي للتيار الصدري وكتلة الأحرار الجديدة، ويُشكّل هذا الحدث السياسي المفاجئ مرحلةً متقدمة في التغيير المنتظر للخريطة السياسية العراقية ومعه يعود الأمل بعودة العراق موحد مستقل يتمتع شعبه الصابر بالأمن والاستقرار والتنمية.