حاوره - بندر الأيداء / تصوير - التهامي عبدالرحيم:
كشف السفير السريلانكي لدى المملكة أن بوصلة الصناديق الحكومية السعودية اتجهت نحو الاستثمار في بلاده. وقال السيد كريشنا مورتي لـ»الجزيرة» إنهم يرحبون بهذه الخطوة، مؤكداً أن الصناديق تستهدف حالياً الاستثمار في مجالات الزراعة والطب «ونعمل الآن على فتح المجالات بشكل أكبر في قطاعات جديدة، بما يخدم تطلعاتنا في رفع متانة الاقتصاد، وزيادة مستوى التعاون والشراكات الاقتصادية. كما نلمس اهتماماً كبيراً لدى رجال الأعمال السعوديين بالاستثمار المباشر هناك، ونعمل على دعم هذا الحراك». وقال السفير السريلانكي إن عمالة بلاده تخضع لبرامج تدريبية مكثفة قبل القدوم إلى المملكة.
مشدداً على أن الهدف من هذه الخطوة هو عدم تجاوز العمالة لبنود عقود العمل والإخلال بها، والالتزام بتفاصيلها.
وفيما يتعلق بتصحيح أوضاع العمالة، ومدى انعكاس ذلك على بلاده، قال: «هذه الخطوة كانت مميزة في سبيل تعزيز قوة سوق العمل، ومن أبرز ما خطت به المملكة ضمن هذا المشروع هو منح مهلة أعتبرها أكثر من كافية، بل سخية جدًّا لمنح الوافدين غير النظاميين فرصة للخروج بكل احترام وتقدير إلى بلادهم.
كما أن تلك المهلة مكّنت الوافدين السريلانكيين الراغبين في المغادرة، ومن ثم فرصة العودة في المستقبل دون أي موانع أو عقوبات مترتبة على بقائهم السابق، وكان في ذلك الكثير من التعزيز الإيجابي للمصالح المتبادلة بين البلدين». مشيراً إلى أنه يوجد بالمملكة حالياً نحو 400 ألف من العمالة السريلانكية، والذين غادروا خلال فترة التصحيح يُقدّر عددهم بـ15 ألف شخص. ورأى السفير في حوار مع «الجزيرة» أن الحكومة السعودية تتبع قواعد وأنظمة عادلة في تطوير سوق العمل «وحسبما نراه، فإن هذه الأنظمة تراعي مصلحة جميع الأطراف». وفيما يأتي نص حديث الوزير:
* تحظى العلاقة بين المملكة وجمهورية سريلانكا بمستويات عالية من التميز، ويربط البلدين كثير من الروابط، كيف ترون ذلك؟
- في الواقع، إن المملكة تُعتبر الدولة الأولى بالنسبة لسريلانكا من حيث توفير فرص العمل، باعتبار أن أكبر جالية سريلانكية حول العالم موجودة في المملكة.
وهذه الشراكة العمالية تؤسس لعلاقة متينة، تتضمن مستويات عالية من المصلحة المشتركة وتبادل المنافع. وتتجه العلاقة إلى مزيد من العمق في المستقبل في مجالات التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر، إضافة إلى العمل والتعاون الثقافي.
* التبادل التجاري بين البلدين يحظى بنشاط دائم، هل لكم اطلاعنا على حجم التجارة البينية بين المملكة وسريلانكا؟ وفي أي المجالات تتركز؟
- حقيقة، إن التبادل التجاري بين البلدين يعكس مستوى العلاقة ومتانتها، كما يبرهن على العمق التاريخي للعلاقات الاقتصادية.
وبنظرة سريعة، نرى أن الميزان التجاري يميل لصالح المملكة، التي تُعتبر واحدة من أهم الشركاء الرئيسين التجاريين لجمهورية سريلانكا في منطقة الخليج. وبحسب الإحصاءات التاريخية، فإن المملكة في عام 2012 على سبيل المثال تصدر بنحو 611 مليون دولار أمريكي من المنتجات إلى سريلانكا، وتستورد بما قيمته نحو 59.85 مليون دولار أمريكي من سريلانكا.
أما فيما يتعلق بأهم صادراتنا إلى المملكة فنجد أن المواد الغذائية تتصدر الأصناف، مثل الشاي وجوز الهند والفواكه والمكسرات والتوابل والأسماك، إضافة إلى الملابس ومنتجات المطاط، بما في ذلك على سبيل المثال الإطارات ونباتات الزينة.
وتتركز الصادرات السعودية إلى سريلانكا في المنتجات النفطية، بما في ذلك النفط والوقود والبلاستيك والكيماويات والأسمدة.
* هل هناك توقعات لحجم التبادل التجاري بين البلدين خلال العام الحالي 2014؟
- أؤكد عبر هذا الحوار وجود حرص كبير على توسيع حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال عام 2014، وتوسيع نطاق التجارة البينية، وتنويع المنتجات المتبادلة في صادرات وواردات البلدين، ولاسيما الصادرات السريلانكية إلى المملكة، التي بالإمكان زيادتها وتنويعها بشكل كبير، وهذا ضمن تخطيطنا المسبق.
كما أن تركيزنا منصب على زيادة الاستثمارات السعودية في سريلانكا في مجال الطاقة، والاستثمارات التجارية، ومجالات الملاحة البحرية والطيران، والاستثمار في قطاعات التعليم (المعرفة)، التي نقوم بتطويرها بشكل مستمر على شكل مراكز للتعليم في سريلانكا، إضافة إلى الاستثمار في قطاع الخدمات.
كما أن سريلانكا بلد سياحي، ويتميز بمقومات السياحة الجاذبة للسياح والمستثمرين. كما تُعتبر سريلانكا مزوداً عالمياً لخدمات التكنولوجيا وتقنية المعلومات؛ لما تحظى به من تطوُّر في تقديم هذه الخدمات؛ إذ يمكن للصناعات السعودية الاستفادة من تلك الخدمات من خلال الاستعانة بتلك الخدمات بالتعاقد لتطوير أعمالهم.
* في الواقع، إننا نعمل مع المملكة على الحفاظ بشكل كبير على مستوى التجارة بين البلدَين ضمن خططنا الهادفة إلى ضمان علاقة اقتصادية مستدامة ومتنامية.
وضمن هذا الاتجاه، فلقد وضعنا ضمن أهدافنا رفع نسبة التعامل التجاري بين البلدين بنحو 10 % خلال العام الحالي 2014. وسنركز على زيادة التنويع في المنتجات، وعلى تلبية مَواطن العرض والطلب لدى البلدين في مختلف المجالات. وسننطلق إلى مجالات أكبر خلال الفترات القادمة، وذلك وفق الفرص الكبيرة التي نراها، ونلمسها في مستوى تطوير ورفع مستوى التعامل الاقتصادي.
* ذكرتكم وجود الاهتمام الاستثماري لدى المملكة ممثلة في رؤوس الأموال في سريلانكا، ورغبتكم في دعم الاستثمارات السعودية هناك. بكم تقدر الاستثمارات السعودية في سريلانكا حالياً؟ وما توقعاتكم في هذا المجال؟
- هناك اهتمام كبير ومرحَّب به بشكل كبير لدينا في سريلانكا؛ إذ اتجهت بوصلة الصناديق الحكومية السعودية تجاه الاستثمار في سريلانكا مؤخراً.
وتستهدف تلك الاستثمارات مجالات الزراعة والطب وغيرهما، ونعمل الآن على فتح المجالات بشكل أكبر في قطاعات جديدة، بما يخدم تطلعاتنا في رفع متانة الاقتصاد وزيادة مستوى التعاون والشراكات الاقتصادية. كما نلمس اهتماماً كبيراً لدى رجال الأعمال السعوديين بالاستثمار المباشر هناك، ونعمل على دعم هذا الحراك.
* تُقدِّم سريلانكا مؤخراً نفسها على أنها بلد سياحي، وهناك جهود حكومية ملحوظة في هذا الصدد، كيف ترون حجم السياحة السعودية لسريلانكا، وأبرز جوانب الجذب لديكم؟
- تزخر سريلانكا بمقومات سياحية عدة، أبرزها الطبيعة الخلابة هناك، التي تُعتبر عنصراً جاذباً لكثير من السياح، كما أن التنوُّع الثقافي والشعبي والديني هناك يُعتبر ميزة أخرى.
وقد لاحظنا تزايد أعداد السياح والزوَّار بشكل كبير خلال الفترة الماضية؛
وذلك انعكاساً للجهود الحكومية والفعاليات والبرامج التي تنفذها الجهات المسؤولة هناك. وقد ارتفع حجم السياح السعوديين والزوار لجميع الأغراض بنسبة 22 % خلال عام 2013؛ إذ بلغ نحو 24 ألف زائر مقارنة بنحو 19 ألف زائر في 2012. وهذا الازدياد ينطبق على الكثير من الدول الأوروبية والأمريكية أيضاً.
* انطلقت مؤخراً حملة لتصحيح أوضاع العمالة في المملكة، وهو مشروع كبير يعالج ملفاً مهماً وحيوياً في المملكة. كيف رأيتكم تلك الحملة؟ وما آثارها على العمالة السريلانكية بشكل عام؟
- في الواقع، إن هذه الخطوة كانت مميزة في سبيل تعزيز قوة سوق العمل، ومن أبرز ما خطت به المملكة ضمن هذا المشروع هو منح مهلة، أعتبرها أكثر من كافية، بل سخية جدًّا لمنح الوافدين غير النظاميين فرصة للخروج بكل احترام وتقدير إلى بلادهم.
كما أن تلك المهلة مكّنت الوافدين السريلانكيين الراغبين في الخروج للمغادرة، ومن ثم فرصة العودة في المستقبل دون أي موانع أو عقوبات مترتبة على بقائهم السابق، وكان في ذلك الكثير من التعزيز الإيجابي للمصالح المتبادلة بين البلدين.
* هل كان هناك أي تنسيق رسمي بين الحكومة السعودية وسفارة سريلانكا في هذا الصدد؟
- لقد كانت مستويات التنسيق عالية بين السفارة السريلانكية والسلطات السعودية، ممثلة في الجهات ذات العلاقة بهذا المشروع، مثل وزارة العمل والجوازات وغيرهما، خلال فترة العفو والسماح للعمالة بالتصحيح، والتعاون كان كبيراً لمساعدة العمال المغتربين السريلانكيين.
وهنا حقيقة لا يفوتني أن أعرب عن امتناني الكبير للتعاون الذي لقيناه والخدمات المقدمة من قِبل جميع الجهات ذات العلاقة، التي لمسناها بشكل كبير، والتي تدل على حرص كبير على المحافظة على العلاقات المتميزة بين البلدين، ونؤكد هنا حرصنا المماثل على تقوية أواصر التعاون، ونتطلع إلى تعميق العلاقات وسُبل التشارك في شتى المجالات.
* كم يقدر حجم العمالة السريلانكية في المملكة؟ وكم يقدر عدد الذين غادروا مع حملة التصحيح؟
- هناك حالياً ما مجموعه 400.000 من المغتربين من الجمهورية السريلانكية في المملكة. أما الذين غادروا المملكة خلال فترة التصحيح فيقدر عددهم بنحو 15.000 شخص.
* كيف ترون مستوى تعاطي الأنظمة السعودية الخاصة بالعمالة الوافدة وتنظيم سوق العمل مع تطلعاتكم؟
- في الواقع، إن الحكومة السعودية تتبع قواعد وأنظمة عادلة في تطوير سوق العمل. وحسبما نراه، فإن الأنظمة تراعي مصلحة جميع الأطراف من عمالة وأصحاب عمل وغيرهم، بما يضمن تعزيز سوق العمل، وزيادة متانة الاقتصاد؛ وبالتالي يصب ذلك في المصلحة الثنائية المشتركة بين البلدين في مجالات التعاون الاقتصادي.
وهذا ما نسعى إليه في النهاية. وقد عملت المملكة على تنظيم هذا السوق بشكل كبير.
وقد وقعنا اتفاقية مؤخراً مع وزارة العمل السعودية، تهدف إلى رفع مستوى التنظيم. وتبرز جهود وزارة العمل في توحيد جهات الاستقدام؛ إذ سيتولى عمليات الاستقدام 16 شركة كبيرة متخصصة في هذا المجال، وهذا انعكس إيجاباً على مستوى حقوق العمال، وأبرزها دفع الرواتب والتأمين الصحي وغيرهما، بما يضمن تقليص حجم المشاكل.
كما أن الحكومة السعودية وضعت التنظيمات الملائمة والاحترافية لسوق العمل، وقد وصل الجانب القانوني والتنظيمي لمستويات عالية من النضج. قد يكون جانب التنفيذ على أرض الواقع عملياً أقل من مستوى طموحات التنظيمات السعودية إلا أنني أرى في النهاية أن المشكلة قليلة، وعمالتنا الوافدة سعيدة بشكل ملحوظ في العمل بالمملكة. وأي مشكلة تواجهنا دوماً ننظر لها على أنها جزء طبيعي من العمل، وليس شيئاً سيئاً.
* تتزايد باستمرار شكاوى العائلات السعودية من هروب الخادمات، وفي الغالب يكون من أجل البحث عن راتب أفضل. ما الجهود التي تقدمها سفارتكم في هذا الصدد؟
- حقيقة، إننا نعمل جاهدين على تزويد السوق السعودي بالعمالة ذات الكفاءة العالية، ونتعامل بجدية مع مثل هذه الحالات، وتبدأ جهودنا بإخضاع جميع العمالة الوافدة إلى برامج تدريبية وتوعوية لمدة 21 يوماً قبل المغادرة إلى المملكة؛ بهدف الالتزام بالعقود وعدم الإخلال بها، كما نتعامل مع الحالات التي تحدث مباشرة.
وأتوقع مع الجهود المعمولة في هذا الجانب ستتضاءل هذه الحالات.
* مكاتب الاستقدام السريلانكية متهمة باستغلال حجم الطلب على العمالة المنزلية من السوق السعودي؛ بدليل أنها تضع شروطاً مبالغاً فيها، ما تعليقكم؟
- في الواقع، إن الاقتصاد السريلانكي اقتصاد مفتوح، ولا أستبعد تأثير حجم الطلب والعرض على الخدمات والسلع كأي اقتصاد حُرّ، إلا أن الجهود الحكومية في هذا الصدد تعالج الكثير من هذه الآثار بما يمهد لتعاون سريع ومستدام.
كما أن المملكة في هذا الجانب لديها خيارات كثيرة ومتعددة وشراكات مع دول أخرى، بما يقلل فرصة حدوث أي استغلال من هذا النوع.
* هل تودون إضافة أي تعليق في ختام حديثنا؟
- أشكر لكم هذه الفرصة، وأشدد هنا على أن سريلانكا ترحب بالتعاون مع المملكة في تنويع العلاقات في مجالات أوسع، بما في ذلك التجارة والاستثمار وتشجيع السياحة، إضافة إلى الأيدي العاملة..
وتعزيز هذه المجالات هو الذي سيزيد من مستوى التلاحم وتميز التعاون بين البلدين، ويحقق المزيد من النمو في العلاقة التي يحظى بها البلدان.