دقت أعلى سلطة دينية بالسودان ناقوس الخطر عندما أعلنت عن نيتها تقويم الإعوجاجات الجارية مع منتج المرابحة.ولا يعرف حتى الآن تبيعات ذلك القرار على البنوك الإسلامية العاملة في الخليج.حيث أكد رئيس مجمع الفقه الإسلامي بالسودان بروفيسور عصام أحمد البشير أن مجمع الفقه الإسلامي السوداني قد دفع بكوكبة من علمائه للمؤسسات لحسم مسألة التعامل بالقروض الربوية، وأشار إلى أنهم وجدوا أن هذه القروض لم تتوفر فيها الشروط المتصلة بتحقيق الضرورة. منوهاً ، بحسب تصريحات نقلها موقع النيلين الإخباري، إلى أن المجمع يتحرى في ذلك ما يرضي الله. وقال عصام خلال مخاطبته أمس الندوة الدولية حول تطبيقات صيغ المرابحة في المصارف الإسلامية التي نظمتها الدائرة الاقتصادية والمالية بالمجمع الفقهي إن صيغ المرابحة هي الأكثر حظاً والأكثر استحواذاً على تدفق التحويل المصرفي في مختلف القطاعات الاقتصادية. ولا يختلف محافظ بنك السودان المركزي السابق عن ماذكرته أعلى سلطة بالبلاد. حيث كشف محمد خير الزبير أن رئاسة الجمهورية قد طلبت منهم مراجعة صيغة المرابحة لما أصابها من أخطاء فى الممارسة ومشابهتها لصيغ البنوك التقليدية وسد الثغرات فى هذا الجانب واوضح أنهم تعرضوا لضغوطات مورست عليهم لإيقاف التعامل يصيغ المرابحة، وقال إننا رفضنا ذلك وقلنا إنها صيغة شرعية وعلى المصارف الالتزام بالمرشد الفقهي. وأضاف أنه تم اعتمادها في سياسات العام 2014م ضمن الصيغ التي تعمل المصارف بها..وطالب البشير بتصحيح أخطاء التجربة بالسعي لاستدراك المسيرة، معتبرا أن الخلل في الممارسة التطبيقية للتجارب ليس عيبا.وقال البشير -للجزيرة نت- إن السودان بحاجة إلى نهج للتصويب «حتى نطهر أموالنا من كل شائبة». ومن الملاحظات التي سجلت على منتج المرابحة هو عدم التوفيق في توقيت إثبات العملية التمويلية وبداية احتساب أقساط سدادها.
ويُمسك مجمع الفقه الإسلامي بالسودان بزمام الأمور عندما يتعلق الأمر بصناعة الصيرفة الإسلامية هناك. حيث هدف من هذه الندوة معالجة الاختلالات التي صاحبة التجربة وسد الثغرات التي تعاني منها صيغ المرابحات. ولم تخل الندوة من التصريحات الرنانه، كتصريح عصام البشير بأن الفتاوى التي يصدرها المجمع لا تخضع لأهواء السلطان، وقال إن المجمع يتحرى في فتاويه ما يرضي الله ولا يستجيب لهوى الآخرين. وأضاف أن العلماء ليسوا «فنانين» يقدمون ما يطلبه المستمعون، وأوضح البشير أن المجمع يتعامل بحسم في القضايا المتعلقة بالمعاملات الربوية. مشيراً إلى أن الربا من كبائر الذنوب. ومشددا في نفس الوقت أن الاقتصاد الإسلامي يهدف لنقل الفرد من حد الكفاف إلى الكفاية وبسط العدالة الاجتماعية.
وبحسب وكالة السودان للأنباء، فإن حجم تمويل المصارف الإسلامية فى العالم بلغ 1.4ترليون دولار وأن حجم تمويل صيغ المرابحة بلغ 300مليون دولار. ويحاول فقهاء المصارف في السودان تقنين استخدام المرابحات بعد ارتفاع نسبة التعامل المصرفي معها لنحو 50% من حجم التمويل. وطالبوا بتحديد نسبة لا تزيد على 30% من حجم محفظة التمويل لصيغة المرابحة، وعدم السماح للبنوك بتجاوزها. وعللوا ذلك بسبب وجود مشكلات صاحبت تطبيق الصيغة الإسلامية على أرض الواقع بسبب افتقار المصارف وعملائها للمعرفة الفقهية اللازمة. وبحسب التوصيات التي نشرها موقع الجزيرة نت فقد طالب الخبراء بعدم بيع السلع للأمر بالشراء إلا بعد تملكها وحيازتها حيازة حقيقة أو حكمية، وفق ضوابط القبض الحكمي المبين في المعايير والمراشد الشرعية. وأمنوا على أهمية التوسع في نشاط المصارف الإسلامية ليشمل جوانب التنمية الاقتصادية خاصة المشاريع الزراعية والصناعية بجهود خاصة، أو عن طريق المشاركة والمضاربة مع أطراف أخرى.
ودعا هؤلاء الخبراء المصارف الإسلامية لاتخاذ أساليب وأدوات مراجعة وتدقيق تساعد على تقليل أخطاء التطبيق في المراجعة، مع التوسع في التعامل بالصيغ الأخرى في التمويل الأصغر والمشاركات والمضاربات والمقاولات والسلم.
القروض التقليدية
وفي الإطار ذاته، أبرزت صحيفة الجريدة السودانية قضية الديون الربوية التي تسلمها السودان من جهات خارجية والتي ينوي توضيفها لإقامة مشروعات تنموية. فقد أوضح محافظ البنك المركزي السابق خلال الندوة المصرفية أن الدولة تلجأ لأعمال فقه الضرورة في بعض الحالات لعقد التمويل بعد موافقه الجهات ذات الصلة وذلك في الحالات المجازة لها. وبعد ذلك رد الفقيه المصرفي عصام البشير على ذلك بقوله إن الربا متفق على تحريمه بنصوص الشريعة لكن الله أحل إلى المضطر ما كان محرماً لكن هذا النظر يقوم به أهل العلم الشرعي مع أهل الخبرة والاختصاص لافتاً إلى أن مجمع الفقه دفع بمجموعة من علمائه ووضعوا من الشروط التي تتعلق بواجب الدولة لخفض الإنفاق الحكومي وترشيد الصرف وتقوية آليات مكافحة الفساد والتأكد من أن البدائل لا تتوفر للدولة قبل إعمال فقه الضرورة في القروض وأنها تحرت الصيغة الشرعية للجهة الممولة لافتاً الى أن الضرورة تتأكد في النواحي الضرورية مثل الأدوية المنقذة للحياة ومياه الشرب ومهمات الدفاع والخدمات الضرورية لافتاً إلى أن الآلية التي كونها المجمع تتحرى ما يقتضية الشرع.
ندرة الدولار
يجب أن يبتهج الرشيد الأمين حامد رئيس أكبر شركة أدوية في السودان حين يطالع البيانات المالية لشركته عن عام 2012.. فقد زادت المبيعات 70 في المئة وتراجعت تكاليف التسويق بعدما خفض الطلب القوي الحاجة إلى الدعاية والإعلان. لكن الرجل لديه مشكلة واحدة: كيف يحصل على الدولار لاستيراد المواد الخام المستخدمة في تصنيع المضادات الحيوية وأقراص علاج الملاريا وأدوية السكري وعقاقير أخرى وإن حصل على العملة الصعبة فبأي سعر صرف؟
يقول لرويترز حامد رئيس معامل أميفارما بينما يجلس في مكتبه الكبير بالمنطقة الصناعية في الخرطوم بحري «نحتاج إلى استيراد مواد لصناعة الأدوية تسدد قيمتها بالدولار. لكن الحصول على الدولار من الجهاز المصرفي في منتهى الصعوبة.»
ويواجه السودان أكبر أزمة اقتصادية خلال عقود بسبب نقص حاد في العملة الصعبة بعد خسارة ثلاثة أرباع إنتاجه من النفط بسبب استقلال جنوبه عنه عام 2011. ومثلت إيرادات النفط مصدرا أساسيا للدخل في موازنة السودان وكانت توفر العملات الأجنبية المطلوبة لاستيراد السلع الحيوية كالغذاء والدواء. ويقول اقتصاديون إن بنك السودان المركزي والبنوك التجارية يجدون صعوبة متزايدة في توفير دولارات تكفي السوق. وهذا أجبر الراغبين في السفر للخارج والمستوردين على التعامل مع تجار السوق السوداء. وأدى خفض قيمة العملة لتجاوز معدل التضخم نسبة 44 في المئة وأصبح حصول المواطن السوداني على الدواء أكثر صعوبة وأعلى كلفة. وهذا يزيد خطر تفجر الغضب الشعبي ويفاقم معاناة 32 مليون مواطن عاشوا عقودا من الصراعات العرقية والفقر والأزمات الاقتصادية. يقول صيدلي يعمل في وسط الخرطوم طلب عدم الإفصاح عن اسمه «لا تتوافر لدينا بعض أدوية القلب وحبوب السكري حاليا... بعض المنتجات الأجنبية اختفت وأصبح الحصول عليها شديد الصعوبة.» وتعهدت الحكومة بضمان توافر السلع لكن تجار الأدوية توقفوا عن طلب بعض الأدوية الأجنبية مع تراجع الجنيه مما أدى لزيادة الطلب على الأدوية المحلية الأقل سعرا والتي تنتجها شركات مثل أميفارما.
يقول حامد «لا نستطيع الوفاء بالطلب حاليا.» لكن زيادة المبيعات قابلها ارتفاع في التكاليف إذ أن المواد الخام المستوردة بالدولار تمثل ثلث تكاليف تشغيل المعدات بالشركة.
ومع انقطاع السودان بشكل كبير عن الأسواق المالية العالمية بسبب العقوبات التجارية الأمريكية لم تلعب البنوك المحلية دورا يذكر في الاقتصاد. ولا يمتلك معظم السودانيين حسابات مصرفية. وكثير من الشركات الكبرى مثل أميفارما هي شركات عائلية تتعامل مع تجار العملة داخل السودان وخارجه للحصول على الدولار.