لو كان يخلد بالفضائل فاضل
وصلت لك الآجال بالآجال
غاب عن دنيانا الفانية بالأمس وجه الخير ورجل البذل والفضل والإحسان، المحسن الكبير الشيخ محمد العلي العبداللطيف (الغزالي)، الذي ارتوى من معين الرجولة والفضيلة، ونذر نفسه ووقته وماله وجهده لكل عمل يعود نفعه لغيره، وهو من يقضي حاجات غيره وتكتمل قوالب الاندفاع إلى الخير وبباعث الحب والفطرة وصفو النفس التي جبلت على العطاء والإنفاق وبجزالة لا تعرف القليل، حيث وهبه الله طيبة النفس وسلامة القلب ولين الجانب وحسن التعامل مع الصغير والكبير. فهو كما عرفته وعرفه الكثير رجل خير وبركة يأنس به جليسه، كله صدق ومحبة وتواضع جم، كافح منذ بواكير حياته في طلب المعيشة والرزق الحلال والأخذ بأسباب التجارة والكسب المشروع الذي هو طابعه منذ بدأ أو عمل له وحتى وفاته -رحمه الله- معتمداً على الله ثم على مجهوده الشخصي وضميره اليقظ، فهو رجل عصامي مثابر فطن جمع بين البساطة المتناهية والقناعة إلى حد الزهد المفضي إلى شكر النعمة وسخاء الإنفاق والعطاء الذي ليس له حد منذ أنعم الله عليه بنعمة المال والعقل الرزين الذي تمنهج على أسلوب حياة قانعة. ولقد باكره اليتم صغيراً بوفاة والده فضاقت الدنيا في عينيه ولم ير أمامه سوى أن يشمر عن ساعديه غير معول على أحد في رحلة الحياة الشاقة والقاسية ولسان حاله ذاكراً قول الشاعر الذي يحث على مواجهة الحياة بالصبر والعمل الجاد الدؤوب:
وإنما رجل الدنيا وواحدها
من لا يعول في الدنيا على رجل
وكم حدثني -رحمه الله- عن بداياته الأولى في جلسته العصروية التي كنت أرتادها بين الفينة والأخرى، إذ تجد حديث الصدق والعفوية لمجرب وخبير ومتمرس يرى أبعد مما نراه، وهو الذي عاش وتدرج في مدارج الحياة ومزاولة الأعمال الشاقة التي هي مصادر طلب المعيشة السائدة في تلك الأزمان البعيدة، ولم ير بداً من تنكب ظروف العمل على الرغم من صغر سنه حتى وصل إلى ما وصل إليه في التجارة من اسم بارز وسمعة لامعة بعد أن كسب ثقة كل من تعامل معه لصدقه وحسن تعامله وأمانته. ولعل اللافت في شخص محمد العلي العبداللطيف مدى حبه الكبير وتفانيه لإنماء وبناء ورقي مسقط رأسه الزلفي إلى حد التبالغ منذ وقت مبكر، وهو لا يعذر نفسه في أن يكون في مقدمة الصفوف للمطالبة في أي أمر أو مصلحة عامة تصب في مصلحة منطقته الزلفي، إذ يجد راحة عندما يتحقق أي عمل أو مشروع أو إنجاز لهذا الجزء الغالي من وطننا الكبير، وهو إلى هذا يسهم في جهده ووقته وماله لا يدخر شيئاً في سبيل هذا الهدف، إذ يعد من الرجال الأوفياء المخلصين الباذلين، وقد لازم المطالبة والمتابعة لمشاريع الزلفي وبجزالة الحضور ومعه عدد من رجال الزلفي الغيورين ومنذ السبعينات الهجرية وهو يتقدم الصفوف، وهو مشهور بالكرم والسخاء بالخفاء، ينفق دون إعلان، يقرض ذوي الحاجات ويساعد بماله وجاهه، وقد أسر لي ذات مرة بأنني إذا ما عرفت أحداً مقدماً على الزواج وأموره بسيطة على حد قوله -أي محتاج - بأن أرسله إليه بعد أن أتحقق من مدى حاجته، حرصاً منه على تحصين الشباب وستر العورات. ولقد اكتسب (أبو علي) -رحمه الله- الكثير من أسباب الحكمة والصفات الحميدة، وهو الذي نشأ في طاعة الله متعلقاً بكل ما فيه مرضاة الله، محباً لعمل الخير ومساعدة الغير، لذا حاز على القبول والمحبة من الجميع لأنه أحب الجميع دون استثناء، فترك الذكر العاطر والسمعة الطيبة التي هي رأس المال الحقيقي في هذه الحياة الفانية:
وإنما المرء حديث بعده
فكن حديثاً حسناً لمن وعى
ولقد كان لنبأ وفاته وفراقه ألم ووقع في النفس، غفر الله له ورحمه وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وذويه وأسرته جميعاً ومحبيه الصبر والسلوان.
وما المال والأهلون إلا ودائع
ولا بد يوماً أن ترد الودائع
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.