على امتداد أكثر من جيل، شكّل تحفيز النمو عبر الشركات الصغيرة والمتوسطة جوهر السياسة الاقتصادية والصناعية حول العالم – ولم تتقدّم الشركات الناشئة إلاّ مؤخراً على الشركات الصغيرة والمتوسطة.
لكن في سياق خبرتنا الممتدة على عقود، قلّما سمعنا بصاحب مشروع يتحدث عن مشروعه على أنه «شركة صغيرة» – لأنّه غالباً ما يُنظَر إلى هذا النوع من الشركات على أنّها بطيئة النمو. واليوم، زاد كمّ الإحباط حيال التركيز على الشركات الناشئة، والصغيرة والمتوسطة منها، وتكاثرت الدعوات لاعتماد مقاربة أكثر اتزاناً، تسمح باستحداث الظروف الملائمة لنجاح الشركات - بغض النظر عن عمرها وحجمها- في تحفيز نمو اقتصادي سريع. وثمة أسباب جيدة للإقدام على هذا التغيير في الوجهة:
- الشركات العالية النمو تسمح باستحداث الوظائف: تُظهر الدراسات والبحوث باستمرار أن عدداً صغيراً جداً من المشاريع – ما بين 1 و6 في المئة من مجمل مشاريع المنطقة - مسؤول عن حصة الأسد من الوظائف المستحدَثة، وعن تشعّبات أخرى لإطلاق المشاريع، مع الإشارة إلى أنّ زيادة الشركات الناشئة لم تؤدِّ إلى ارتفاع عدد المشاريع التي تحقّق نمواً عالياً, وقد تبيّن في الواقع أنّ رابطاً سلبياً يجمع على ما يبدو بين أعداد المشاريع التي تأسست حديثاً والشركات العالية النمو.
- النمو العالي تتخلله مفاجآت كثيرة. وتشير الدراسات التي تشمل الشركات العالية النمو أن هذه الأخيرة تتطور على دفعات مفاجئة وعلى نحو غير قابل للتوقع في معظم الأحيان. أمّا أسباب ذلك، فتتراوح بين تسجيل تحوّلات في السوق ووصول إدارة جديدة إلى الشركة.
- للمشاريع العالية النمو تواجد أكبر في الصناعات الأساسية، بالمقارنة مع قطاعات التكنولوجيا. ومن المحتمل أن تعمل شركات من هذا القبيل في مجالات الخدمات الغذائية، والعقارات، والبناء، والتجارة، والخدمات اللوجستية، والتصنيع.
- الحجم الصغير ليس دوماً ميزة: تواجه معظم الشركات الصغيرة ركوداً، بغض النظر عن عمرها. فما القاسم المشترك في الاقتصاديات الراكدة، كاقتصاديات إيطاليا، واليونان، والبرتغال، وإسبانيا؟ يشير تقرير صدر مؤخراً عن «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» أن أكثر من 40 في المئة من الشركات في هذه الاقتصاديات تضم أقل من 10 موظفين. ومن جهة أخرى، ما القاسم المشترك بين الاقتصاديات الشديدة الفعالية، على غرار اقتصاديات ألمانيا، وسويسرا، ونيوزيلندا، والمملكة المتحدة؟ إنّ نسبة الشركات الصغيرة في هذه الاقتصاديات لا تزيد عن 20 في المئة.
- شدّة التركيز على عدد الشركات الناشئة هي من السياسات السيئة: ليست صدفة أن تكون شركة «ستارتاب أميركا» قد أقفلت أبوابها السنة الماضية، وأن تكون المنافع الفعلية للتطلّع نحو الشركات الناشئة قليلة حتى الآن. فالواقع يفيد بأن الغالبية العظمى من الشركات الصغيرة لا تتطور بصورة طبيعية لتتحوّل إلى شركات أكبر حجماً.