تحسّنت مستويات الثقة بالشركات في معظم البلدان - بعد انهيارها خلال الأزمة المالية. لكنّ مؤشر إيدلمان للثقة الذي نعتمده يُظهر أن انتعاش مستويات الثقة المذكور توقّف، بالنظر إلى أنّ 43 في المئة فقط من المشاركين في الاستطلاع منحوا الرؤساء التنفيذيين ثقتهم، ولم يكن أسوأ منهم إلا المسؤولون الحكوميون (مع نسبة 36 في المئة)، علماً بأنّ الثقة الفعلية تُمنَح لأشخاص «يشبهونني تماماً» (62 في المئة) وكذلك للأكاديميين أو الخبراء (67 في المئة).
والملفت أنّ الانتقادات الموجّهة إلى القادة في مجالي الأعمال والحكومة تتزايد حدّةً، وتبلغ أوجها لدى اجتماعهم في «منتدى الاقتصاد العالمي» الذي ينعقد سنوياً في دافوس السويسرية. ولا شكّ في أنّ مؤتمر هذا العام، الذي انتهى الشهر الماضي، لم يشكّل استثناءً عن القاعدة.
وبالتالي، ما السبب ليشكّك العموم برؤسائهم إلى هذا الحد؟
من أهمّ الأسباب كون الرؤساء التنفيذيين بمعظمهم لا يُعربون عن آرائهم إلاّ في مناسبات قليلة، في مرحلة الإفصاح عن أرباحهم، علماً بأنّ المواضيع التي يأتون على ذكرها تقتصر عموماً عن الأداء والأرقام. وهم يلزمون الصمت في كل ما يبتعد عن هذا النطاق الضيّق، بسبب القلق الذي ينتابهم بشأن الجهات المنظمة والتوجيهات الربحية المضللة. لكنّ سخرية القدر شاءت ألا يأبه للأداء الفصلي أحد تقريباً، باستثناء المحللين والمستثمرين، علماً بأنّ الناس يريدون سماع معلومات قدرة شركة على الابتكار، وعن طريقة استجابتها إلى مسائل أوسع نطاقاً على صلة بالمجتمع.
لا تقتصر المسألة على عدم تطرق رؤساء تنفيذيين كثيرين إلى المواضيع المناسبة، بل تشمل أيضاً عدم إظهارهم لأي تفاعل على الإطلاق – أكان مع مجموعات من الموظفين، أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أو في الاجتماعات التي تًنظَّم وجهاً لوجه مع الآخرين. حتى أن رؤساء تنفيذيين كثيرين يبتعدون عن المقابلات الإعلامية. وغالباً ما يخبرنا الصحافيون بأنه عندما يتحدث رئيس تنفيذي إلى وسائل الإعلام، تبدو تعليقاته مدروسة بشكل مبالغ فيه، وتنقل وجهة نظر رسمية.
يُعتبر المؤتمر السنوي في دافوس من الأماكن الوحيدة التي تخوّل رؤساء تنفيذيين من حول العالم التحدث بارتياح إلى قادة آخرين والتقرّب من الصحافة، ولا يتوقذف الهدف من دافوس عند الكلام، بل يشمل أيضاً الاستماع. وفي العادة، تكون الأحاديث فيه شاملة، ولا تقتصر على الأداء والأرباح، بل تعنى أيضاً بسياق العمل وبالآفاق المستقبلية. والملفت أن مؤتمر دافوس قادر على تحويل قادة الشركات إلى مصادر روايات إيجابية عن المؤسسات، من شأنها زيادة مستويات ثقة العموم بهذه الأخيرة.
ويعود السبب إلى الطريقة التي تُسرَد فيها الروايات المذكورة، كونها تصدر عن مسؤولين تنفيذيين يبدو عليهم الصدق والالتزام، إلى جانب الكثير من الفكاهة في بعض الأحيان. وبالتالي، يظهر الرؤساء التنفيذيون كأشخاص يتّصفون بالإنسانية، وجديرون بثقة الناس.
وفي سبيل استعادة ثقة العموم، من الضروري أن يتعلم الرؤساء التنفيذيون الدرس من دافوس، وأن يبدأوا بالتواصل بطريقة مختلفة. وبدلاً من اعتماد نمط محدّد والتمسك بالرسائل التي تنقل وجهات النظر الرسمية، من الضروري أن يسألوا أنفسهم، ما الذي كنت سأفعله وأقوله في دافوس؟